تعرفنا في الجزء الأول من المقال على مفهوم التضخم الأساسي (Core Inflation)، وطرق حسابه، واستعرضنا تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، وعلاقة هذا المؤشر بمعدل التضخم المستهدف ومعدل التضخم المتوقع. ويقدم هذا الجزء تحليلاً للوضع الحالي في المملكة مع تقدير معدل التضخم الأساسي الذي لم يتم حسابه رسمياً حتى الآن. معدل التضخم في المملكة ارتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة في المملكة (مؤشر التضخم) في شهر إبريل عام 2008م بنسبة 10.5في المئة مقارنةً بمستواه في نفس الشهر من العام السابق، ومنذ شهر مايو 2007م ومعدل التضخم في ارتفاع مستمر، وهو ما يشير إلى تغيرات هيكلية في سياسات التسعير استجابةً للتطورات في الاقتصاد العالمي. والحقيقة الغائبة عن الكثير من المهتمين بمعدل التضخم أن انخفاض معدل التضخم في المستقبل المنظور ( 12شهراً) لا يعني بضرورة انخفاض الأسعار، فإذا افترضنا أن معدل التضخم في إبريل 2009م سيسجل ارتفاعاً بنسبة 1.0في المئة مقارنة بإبريل 2008م؛ فهذا لا يعني انخفاضاً في الأسعار، وإنما انخفاضاً في معدل زيادة الأسعار. ولنفترض أن معدل التضخم في إبريل 2009م بلغ صفراً في المئة، فهذا يعني أن الأسعار قد استقرت عند مستوياتها في إبريل 2008م. هذه الحقيقة تقودنا إلى الاهتمام أكثر بمستويات التضخم المتوقعة في المدى المتوسط والطويل، ولا شك أن أفضل الأساليب المتبعة لتقدير معدل التضخم في المستقبل هي التي تستبعد التأثيرات المؤقتة والموسمية، لذا سعى الاقتصاديون إلى ابتكار مؤشر التضخم الأساسي (Core-Inflation) الأكثر تمثيلاً للواقع في المستقبل لأنه يركز على النزعة التضخمية التي تمر بها اقتصادات الدول. وينبغي أن لا ينظر إلى معدل التضخم الأساسي على أنه بديل للرقم القياسي لتكاليف المعيشة الذي تحسبه مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، وأن الهدف منه هو التقليل من حدة ارتفاع معدلات التضخم وتأثيراتها السلبية على تكاليف المعيشة. وإنما هو مؤشر مكمل لبقية مؤشرات التضخم كالرقم القياسي لتكاليف المعيشة، والرقم القياسي لأسعار الجملة، ومعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي، والهدف الرئيس من حسابه هو قياس النزعة التضخمية المساعدة على توقع معدلات التضخم في المستقبل ووضع السياسات الملائمة للتقليل من حدتها أو علاج آثارها. حيث يتم استبعاد العناصر غير المستقرة سواءً في حالة ارتفاع أو انخفاض أسعارها. أكثر طرق قياس معدل التضخم ملاءمة للمملكة. بالنظر إلى طرق حساب معدل التضخم الأساسي (الجزء الأول من المقال)؛ لا يبدو أنه من المتاح في المملكة استخدام الطريقة الأولى (حذف بندي الطعام والطاقة) أو الطريقة الثانية (حذف بند الطاقة)، ذلك أن بند الأطعمة والمشروبات يحتوي على 155عنصراً تمثل ما نسبته 38.18في المئة من إجمالي عناصر سلة الرقم القياسي العام البالغة 405عناصر (بعد حذف عنصر نفقات البيجر منذ شهر يناير 2005م)، كما أن أسعار الطاقة في المملكة مستقرة بفضل الدعم الحكومي. أما الطرق الثلاث الباقية فهي طرق محتملة وقابلة لقياس معدل التضخم الأساسي (core Inflation) في المملكة. لكن عملية اختيار أفضل الطرق لحساب معدل التضخم الأساسي تمت وفقاَ للقاعدة التالية: الوصول إلى أكثر مؤشرات التضخم استقراراً بحذف أقل عدد ممكن من البنود وباستخدام هذه القاعدة تم حساب معدل التضخم الأساسي عن طريق حساب متوسط الانحراف المعياري للأرقام القياسية للبنود (6.395) خلال الفترة من يناير 1999م إلى مايو 2007م (بداية ارتفاع معدلات التضخم في المملكة)، ثم استبعدت البنود التي يتجاوز الانحراف المعياري لأرقامها القياسية خلال نفس الفترة هذا المتوسط. وبذلك تم استبعاد 124بنداً من أصل 405بنود ليصل عدد البنود الداخلة في معدل التضخم الأساسي إلى 281بنداً، أي تم استبعاد 30.6في المئة من بنود سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة معظمها من مجموعة الأطعمة والمشروبات ومجموعة سلع وخدمات أخرى. النتائج أظهرت النتائج أن معدل التضخم الأساسي ارتفع في شهر إبريل عام 2008م بنسبة 7.1في المئة مقارنةً بمستواه في نفس الشهر من العام السابق، في حين سجل معدل التضخم (الرقم القياسي لتكاليف المعيشة) ارتفاعاً بلغت نسبته 10.5في المئة خلال نفس الفترة. وهذا يعني أن ما نسبته 3.4في المئة من حجم التضخم يعتبر مؤقتاً أو موسمياً. وخلال الفترة أعلاه؛ ارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة الأطعمة والمشروبات بنسبة 8.9في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 16.0في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة الترميم والإيجار والوقود والمياه بنسبة 16.9في المئة مقابل ارتفاع بنفس النسبة تقريباً في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة سلع وخدمات أخرى بنسبة 9.7في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 14.7في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة الرعاية الطبية بنسبة 7.4في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 7.5في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة التأثيث المنزلي بنسبة 3.6في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 4.5في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وارتفع معدل التضخم الأساسي لمجموعة التعليم والترويح بنسبة 1.7في المئة مقابل ارتفاع بلغت نسبته 2.0في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. في حين انخفض معدل التضخم الأساسي لمجموعة الأقمشة والملابس والإحذية بنسبة 0.3في المئة مقابل انخفاض بلغت نسبته 0.6في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وانخفض معدل التضخم الأساسي لمجموعة النقل والاتصالات بنسبة 0.2في المئة مقابل انخفاض بلغت نسبته 0.3في المئة في سلة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة (الجدول والرسوم البيانية أدناه).