كتب الكاتب المعروف راشد الفوزان مقالة بعنوان «10 أو 147 للبرميل ماذا يعني»، نشرت يوم الثلاثاء ثاني أيام عيد الأضحى، الموافق 9 ديسمبر 2008. ومما حمله على كتابة مقالته، أن كثيرا من الناس لا يرون فرقا بين السعرين، فأحوالنا –عندهم- عندما كان السعر 10 دولارات هي نفس أحوالنا عندما تجاوز السعر 100 دولار. هل ما يرونه صحيح؟ لتسهيل الاقتناع بالجواب، لنفترض أن الله سبحانه شاء ألا ترتفع أسعار النفط خلال السنوات الماضية (أي منذ 2002)، بل بقيت حول 20-25 دولارا للبرميل الواحد، لأي سبب، مثلا بسبب اكتشاف احتياطيات نفطية هائلة، و/أو تطوير مصادر طاقة أخرى بتكلفة منخفضة نسبيا. ماذا سيعني هذا الافتراض؟ لنر كيف ستكون الصورة الآن: كانت الحكومة تستدين عشرات المليارات من الريالات كل سنة تقريبا خلال السنوات 1987-2002. والنتيجة تجمع دين عام تجاوز الناتج المحلي - نحو 800 مليار ريال رصيد دين مطلع عام 2003. أي أن حجم الدين العام وصل المنطقة الحمراء أو اقترب منها. هل تستطيع الحكومة الاستمرار في الاستدانة عشرات المليارات من الريالات كل سنة ؟ طبعا لا. ما البدائل؟ أحدها تقليص الرواتب. وحقيقة خفضت رواتب نصف الموظفين بصورة غير مباشرة، مثلا، تعيين المدرسين الجامعيين على أدنى مستوى – المستوى الأول بدلا من الرابع، الذي يستحقونه بالقانون. طبع المزيد من النقود للمساعدة على تغطية العجز، كما فعلته دول نامية كثيرة، وهذا يعني بالضرورة انخفاض أو خفض قيمة الريال ربما إلى 5 ريالات للدولار، ماذا بشأن الصيانة؟ مزيداً من التدهور. مشروعات حكومية جديدة؟ نو وي no way كما يقال بالانجليزية. وضع الناس؟ سيصبح أسوأ بكثير مما هو عليه الآن، لأنه سيجتمع غلاء وخفض رواتب وزيادة بطالة، وجمود سعة المدارس والجامعات وغيرها. هل ارتفاع أسعار النفط هو سبب التضخم؟ هذا وهم، ولا يلغي ذلك وجود ارتباط بينهما. السؤال الأصح: ما أسباب التضخم أو الغلاء، بما في ذلك غلاء النفط؟ كتبتْ بحوث كثيرة عن أسباب ارتفاع الأسعار ومنها أسعار النفط، وهناك إجماع على أن أهم سبب هو الازدهار الاقتصادي العالمي، وخاصة في الدول الصاعدة كالصين والهند، والذي صاحبه توسع عالمي شديد في عرض النقود، تجاوز المتاح من السلع والخدمات. متى يشعر الناس بما ينفذ من مشروعات؟ لن يشعر الناس بما ينفذ من مشروعات من جامعات وسكك حديدية وطرق ومطارات وكهرباء وغيرها إلا في العقد القادم، مثلما أن الناس لم يشعروا ويستفيدوا من المشروعات القائمة الآن التي بدأ تنفيذها في طفرة السبعينيات، إلا في الثمانينيات فصاعدا. لماذا لا يشعر الناس بالمشروعات التي تحت التنفيذ؟ لأنه معروف في علميْ النفس والاقتصاد أن البشر يميلون إلى الهلع والنظر القصير، ينظرون ليومهم ويتباعدون الغد. وصفة أن الناس يستعجلون، مثبتة في القرآن، يقول سبحانه «ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير، وكان الإنسان عجولا»، الآية 11 من سورة الإسراء. من عجلته أنه حتى يدعو على نفسه وولده بالشر. هل ارتفاع أسعار النفط ومن ثم دخل الحكومة ليست له سلبيات؟ بالتأكيد له سيئات، وبالنسبة للاقتصادات النفطية كاقتصاد المملكة، تلخص هذه السيئات بما يعرف بالمرض الهولندي Dutch Disease. وعوارضه كثيرة، منها زيادة التساهل في اعتبارات الحلال والحرام والممنوع والمسموح في جمع المال، وزيادة الفساد الوظيفي، وتبرير الحصول على المال العام، وانخفاض الرشاد في إنفاقه، وزيادة الاتكالية، وضعف الحافز الإنتاجي. ما المطلوب لتخفيف هذه السلبيات؟ موضوع طويل عريض، يتلخص في جهاد النفس والتغيير، وبالله التوفيق.. ❊( بكالوريوس في الشريعة ودكتوراه في الاقتصاد.