الأعمال الإرهابية الأخيرة في مومباي تؤكد على أهمية استمرار التكاتف الدولي لمحاربة الإرهاب، كما تؤكد أيضاً أن الإرهاب قد يقع في أي مكان وزمان وأنه سلوك متطرف متمرد على كل الأديان وخارج الإطار الحضاري الذي ينتمي إليه الإنسان. إنه سلوك إجرامي ليس له دين ولا وطن ولا ثقافة ولا أهداف.. ولأنه كذلك فإن الخطاب الإعلامي الدولي يجب أن يتناول أخبار الإرهاب من زاوية إنسانية دولية تعبر عن رفض دولي. ومن المؤسف أن بعض وسائل الإعلام وتنساق خلفها وسائل إعلام عربية من دون قصد، تنشر أخبار الأحداث الإرهابية تحت تأثير اعتقاد راسخ بأن مجموعة من الإسلاميين هم الفاعلون. يحدث ذلك بمجرد وقوع الفعل الإرهابي قبل بدء التحقيق. ويلاحظ كذلك أن الخطاب الإعلامي الدولي يركز في نقل أخبار العمليات الإرهابية على من يحمل جنسية عربية أو من ينتمي إلى بلد مسلم، كما يركز على عدد الضحايا من الدول الغربية، وكأن الآخرين ليس لهم أهمية! هذه الممارسة الإعلامية هي إلى جانب كونها فشلاً إعلامياً فإنها تزيد من مستوى التوتر وتؤثر بشكل سلبي في الجهود المبذولة لتحقيق تعاون دولي يوقف الإرهاب. وعلى الرغم من أهمية الجهود الأمنية ودورها المؤثر في التصدي للإرهاب فإن دور الإعلام لا يقل أهمية. وإذا كان هناك إجماع دولي، وعربي، على أن الإرهاب آفة تهدد الجميع فإن الطرح الإعلامي يجب أن يتناول هذه الآفة كما يتناول مشكلة اليدز، ومشاكل العصر الأخرى مثل الاغتصاب، والمخدرات وغيرهما. المعنى أن يتحدث الإعلام عن الإرهاب بصوت واحد ولغة واحدة وأن يبتعد عن المصطلحات التي تؤثر في تحقيق التكاتف وتكامل الجهود والالتقاء حول فكر واحد. هذا الفكر الموحد ضد الإرهاب هو فكر ضد التطرف مهما كانت هوية هذا التطرف ومواقعه ومصادر تمويله. إن المؤسسات الإعلامية بوسائلها المختلفة وهي تتنافس في اكتساب المتابعين لبرامجها وتغطياتها المرئية والمسموعة، والمكتوبة هي في نهاية المطاف مؤسسات لها مسؤوليات اجتماعية وتستطيع أن توازن بين هذه المسؤوليات، وبين مسؤولياتها المهنية. نقطة الالتقاء هنا هي المصلحة الوطنية التي تحقق التوافق بين جهود الحكومات، وبين جهود وسائل الإعلام رغم ما يحدث بين الطرفين من علاقات متوترة أوقات الأزمات. وفي أزمة الإرهاب يقوم الإعلام بدور توعوي وتثقيفي وأمني ويساعد على توفير أجواء التضامن مع الجهود الرسمية، والإجراءات الأمنية التي تدافع عن مصلحة وأمن الجميع. تفعيل الدور الإعلامي العالمي في مكافحة الإرهاب يتطلب النظر إلى الإرهاب كخطر يهدد الجميع وليس كخطر إسلامي.. فالعالم الإسلامي يعاني هو الآخر من خطر الإرهاب والمسلمون في كافة أنحاء العالم يتعرضون للظلم بسبب أعمال إرهابية قد تصدر من منظمات إسلامية أو غير إسلامية. الموضوع يحتاج إلى مؤتمر إعلامي دولي للتوصل إلى ميثاق إعلامي يلتزم به الجميع للمساهمة في جهود الحرب على الإرهاب. إن التضامن العالمي ضد الإرهاب لا يكتمل بدون الإعلام، والإعلام لن ينجح في رسالته إلا إذا التزم المصداقية والحيادية وابتعد عن الأهواء السياسية.