في الحياة الطبيعية صراع بين الأجناس، فهناك القروش والأسماك الكبيرة، وأسود ونمور الغابات وحتى الحشرات السامة والمتفوقة، تعرف كيف تختار ضحاياها بتدمير حياتها، والإنسان هومحترف التدمير للحياة الطبيعية وغيرها، وحين نصل بتصنيفنا للدول الكبرى، والوسطى، والصغرى نجد أن تلك التي تتمتع بالقوة المطلقة تشبه الثقوب السوداء التي تبتلع المجرات وكل ما يحيط بها، ولتطابق هذا التوصيف نجد أن أمريكا عندما انهارت مالياً سحبت معها كل العالم رغم أنها الأعظم في إنتاج التكنولوجيا والابتكارات، ومصادر المعرفة، وغزو الفضاء وغيرها، والمركز الأكبر للإنتاج الصناعي والزراعي، والسوق المفتوحة لصادرات وواردات دول العالم بمختلف سلعها، وهي إن نجحت في مشروعها الكبير صفق العالم، وإن طاحت تشرَّد وضاع، وهي ليست الحالة المنفردة في التاريخ الحديث عندما كانت بريطانيا سيدة العالم، والاسترليني عملته القوية.. أمريكا خرجت من حربين عالميتين لتحتل المركز المتقدم في النفوذ العام ولتزيح القوى الأخرى، وكان الخصم الجديد تشكَّل أيدلوجياً واقتصادياً كقوة موازية، عندما أفرزت الحرب العالمية الثانية القوة السوفياتية، لتأتي عمليات الاستقطاب، وسياسات حافة الهاوية والتدمير المتبادل، وحتى لا تقع المفاجأة جاءت دبلوماسية الهاتف الساخن أي تبادل المعلومات قبل أي ضربة استباقية، أو خطأ ما نتيجة صاروخ أو طائرة، أو غواصة ضلّت طريقها، لكن شيخوخة النظام السوفياتي التي عجلت بانهياره، وضعت الغرب الأوروبي وأمريكا ليكونا البديل، وهي الطبيعة الموضوعية في عالم القوة، غير أن شكل الصراع، اتخذ طرقاً مختلفة.. فالأوروبيون ركّزوا على الاقتصاد بديلاً عن إنتاج السلاح والانجرار إلى الحروب مما وسّع الفارق في القوة العسكرية مع أمريكا، وهم على حق إذ بزوال أهم عدو منافس يهددهم بالدمار الشامل بأسلحته فقدت أهمية التوسع بالأسلحة، ولم تكن روسيا التعويض عن الامبراطورية السوفياتية، وحتى الصين والهند لم يكن يدورفي ذهن أكبر الاستراتيجيين العسكريين وعلماء الاقتصاد أن تقفزا من خط الفقر إلى القطبية الجديدة، وكانت النظرة تتجه لليابان وكواكب آسيا، مما شكَّل انقلاباً هائلاً ببروز الصين على سطح هذا الكوكب ولتلحقها الهند، وربما البرازيل، ولعل التغيير في الخارطة العالمية، ستفرضه الظروف المالية الراهنة، أي أن الكتل القديمة أو شبه الحديثة، للاتحاد الأوروبي، (والنافتا) ستضع الحسابات الدقيقة للآسيان، وهي التجمعات الاقتصادية التي بدأت تحدد معالم القوة، ولن تغيب روسيا عن أرقام المعادلة إذا ما استمر نموها العسكري والاقتصادي، واستغلال مواردها الهائلة في بيئة لا تزال بكراً.. العالم يحتاج هذا التنوع، وعندما يتم إصلاح نظام الاقتصاد العالمي ستبرز وجوه جديدة تخترق احتكار القطبية الأحادية، لكنها لن تضع أمريكا خلف الأسوار، أو تجعلها رقماً صغيراً لأن حدود العالم ستكون مفتوحة على كل المصادر، وأمريكا لن تغيب بل قد تصبح القاطرة الجديدة لعالم مختلف ولكنه يتطور اقتصادياً ومعرفياً وقطبياً..