تقول الحكاية، والحكايات ذات مدلول، وبُعد، وتأثير في إعادة التوازن، ونقد الذات، وتصويب بعض الممارسات عند الذين يعقلون، أو الذين لديهم الاستعداد لترك العقل يعمل، والوقوف طويلاً أمام المرآة ذات الأبعاد لاكتشاف الذات..!! تقول الحكاية، والعُهدة على الراوي: ذات يوم، ذات تيه، ذات حالة فقدان للتوازن، وضياع الحجم، تبجّحت الهرة أمام اللبؤة، وعيرتها باستعلاء بقلة نسلها، وأنها - الهرة - تلد أكثر من مرة في السنة، وتنجب في كل ولادة أكثر من ولد، بينما اللبؤة لا تنجب إلا ولداً واحداً ومرة واحدة في السنة..!؟ نظرت إليها اللبؤة بكبرياء، وثقة، وخبث فيه الشفقة. وأجابت بجواب محدد وحاسم وصاعق. - نعم يا صديقتي..!! ولد واحد في السنة ولكنه أسد..!؟ هذا الجواب أحبه كثيراً، أعشقه، أرى فيه حداً فاصلاً بين التطاول، والتبجح، والادعاء الأجوف، والامتلاء الجاهل. "والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابُها أدعياءُ" هذا الجواب من اللبؤة جميل بحيث وضع الأمور في مكانها الصحيح والسليم، وهو تعليم رائع ومتفوق لكي لا يتعدى الكائن حدوده، ويرتقي إلى أمكنة، أو يحاول أن يرتقي إلى أمكنة لا يطالها، ولا تسمح له قدراته وإمكاناته الفكرية، وأدواته المعرفية بالوصول إليها. إذ من العقل، والحكمة أن يتعامل الإنسان وفق حدود معطياتٍ، وإمكانات، وقدرات متوفرة في بنائه الشخصي. فإذا ما حاول القفز فوق ما تسمح له هذه الخصائص فإن وقوعه سيكون مدوياً، ومريعاً، وقاتلاً. الحكايات كثيرة. حكاية أخرى، والعُهدة ليست على أحد. جلس رجل في كهف ليرتاح من عناء الطريق، وتعب المسير. فانطبق عليه الكهف، صخرة كبيرة سدت مدخله فصاح شاتماً غاضباً : افتح وإلا كسرتُ الصخرة، فتّتها، لكن شيئاً لم يحدث. بقي سجين ظلمة ووحشة الكهف. وجد أن الأمور تزداد تعقيداً بمضي الوقت، وسكون الكهف، وفي لحظة تفكير عاقل، وبعيداً عن سوءرة الغضب قال: أرجوك.. من فضلك.. افتح، ساعدني على الخروج. يا صديقي العزيز دعنا نتفاهم وسنصل إلى صيغة مرضية. لكن أرجوك، وأرجوك أن تفتح باب الكهف. قليلاً انفرج باب الكهف، انزاحت الصخرة، رأى النور، وخرج. إنها الكلمة الطيبة الجميلة الحلوة الهادئة تصنع المعجزات في صنع العلائق. انتهت الحكايات. انتهى المقال.