صالة الانتظار في طوارئ إحدى المستشفيات وقد ازدحمت بالمراجعين، سيدة حامل يبدو أنها تعاني بعض المضاعفات السلبية للحمل مع زوجها الذي يركض هنا وهناك يسأل الممرضة عن تواجد الطبيبة. أب مع طفلته الصغيرة ذات الثلاثة أعوام يبدو أنها تعاني من ارتفاع شديد في درجة الحرارة، تجدها مستكينة صامتة في حضن أبيها ترى في عينيها آثار الألم، لا تتحرك كعادة الاطفال ولا تنشغل برؤية كل ماحولها تغمض عينيها في محاولة لتجنب ضوء النور الذي يزعجها. ثلاث سيدات خلف الستائر المغلقة وقد وضعت كل واحدة منهن جهاز الاستنشاق يتحدثن عن السعال الذي يخنقهن ويمنعهن من التنفس تتنقل الممرضة بينهن لتذكرهن بضرورة وضع القناع الأكسجيني لكنهن يستمررن في الحديث من تحت القناع عن بعض العلاجات الأخرى للسعال مثل ورق الجوافا والبابونج وغيرها من الأعشاب، بين كل كلمة أخرى يرتفع السعال ويرتفع صوت إحداهن وهي تذكر الأخرى بأن حالتهن الصحية أفضل من كثير. شيخ اقترب من الثمانين يدفعه ولداه على كرسي متحرك على وجههما علامات الخوف والهلع يتحدثان مع الممرضة عن الألم الذي يعانيه في صدره وعن ضرورة إدخاله للمستشفى، يهمس أحدهم في أذن أبيه وهو يغالب دموعه " ماترى بأس يا أبوي". طفلة تتكوربجانب والدتها تنحني كي تستنشق جرعة من بخاخ الربو الذي أخرجته من جيب فستانها، تربت أمها على ظهرها وعلى رأسها بحنان وهي تتحدث عبر الجوال عن أزمة الربو الشديدة التي أصابت الصغيرة. أب وأم مع طفل لم يتجاوز الأشهر يتحدثان مع الطبيب المناوب عن حالة الطفل بخوف، تتجسد في ملامح وجههما علامات الهلع تجدهما كما كل المتواجدين يبحثون عن إجابة من أي شخص يرتدي البالطو الأبيض، فالمريض يبحث عن من يطمئنه. طفل في الرابعة عشر من العمر تعرف من شعر رأسه المحلوق ومن ملامح وجهه ومن الإنهاك والتعب الذي يبدو عليه، يبدو أنه أنهي قبل فترة قليلة علاجا قاسيا كيميائيا أو إشعاعيا، يحمل كيساً للقيء أعطته إياه الممرضة يبتسم وهو ينظر لوالدته ولأخيه الكبير قائلا: " لا تخافوا ما في شيء أنا بطل!" يلتفت نحوه شاب جلس يحتضن طفلاً قد جرحت يده قائلا: "اكيد إنت بطل" ليبدآن حديثا عاديا عن الدراسة وعن العيد وأحاديثا اجتماعية مختلفة شارك فيها كثير من الحاضرين الذين انبهروا بروح هذا الصغير وشجاعته التي أهلته للتعامل مع مرض غدار بدون أن ينكسر. صالة الانتظار هذه تجمعت فيها شحنة من المشاعر الإنسانية منها القلق والخوف والهلع والإحساس بالآخرين. المرض قرب هؤلاء الناس من بعضهم البعض وجعلهم يتواصلون إنسانيا بدون حدود.