على ضفاف شواطئ عمق الذهبية التابعة لمنطقة عسير.. يحتل سوق السمك الشعبي عبر استراحاته الشعبية التي بنيت على شكل ما يعرف محلياً باسم "العشش" التي تتكون في سقفها وجدارها من شجرة الدوم المنتشرة بكثرة على امتداد شواطئ عسير البحرية مساحة كبيرة من الأرض التي أصحبت موقعاً مميزاً وهاماً لكل زائر يمر عبر هذا الطريق الدولي الذي يربط غرب المملكة بجنوبها وصولاً إلى الجمهورية اليمنية الشقيقة، وذلك بما يقدمه من أكلات شعبية يأتي على رأسها السمك المحنوذ في الميفا (التنور) المطعم بحلبة عمق المحلية مع زيت السليط (السمسم) وأقراص البر والخمير (ذرة الحب).. "الرياض" زارت هذا السوق ورصدت حركة المتنزهين خلال عيد الفطر المبارك داخل السوق الذي يفتح أبوابه بعد صلاة عيد الفطر المبارك لتقديم وجبة السمك المملح والسمك المحنوذ وحلبة السليط لمئات الأسر والعابرين. ومما يميز هذا السوق العتيق أن مهنة الطبخ والضيافة تقوم عليها مجموعة من نساء وأهالي حلي في مركز عمق ومحافظة القنفذة، حيث لفت انتباهنا توافد أعداد كبيرة من الزائرين في أول أيام العيد السعيد إلى ركن قصي من هذا السوق العتيق حيث تشرف عليه إحدى النساء التي تجاوزت من العمر عتياً تعمل بكل همة ونشاط لاستقبال طلبات زبائنها من كل حدب وصوب الذين يحملون السمك الطازج من هامور وعربي وبياض وغير ذلك لتقديمه مع عبارات الشكر والدعاء لهذه المرأة المعروفة باسم خزيمة صاحبة الخبرة الكبيرة في تقديم الأطباق الشهية من السمك المحنوذ وحلبة السليط. وقد ذكرت ل "الرياض" أنها تعمل داخل هذا السوق منذ سنوات طويلة وفق إمكانيات محدودة، حيث تذهب إلى مقر مطبخها المشهور على مستوى وخارج المنطقة قبل صلاة العيد حاملة معها عجينة الخمير المعدة في منزلها منذ وقت مبكر من الليل والمطعمة بمزيج من الفلفل الأخضر والأحمر مع الثوم الذي يزيد من نكهتها المفضلة لدى الكثير من مرتادي مطبخ خزيمة. وأضافت أقوم بعد وصولي للمطبخ بإعداد طبق الكوسة مع الطماطم بطريقة محلية تعرف باسم ايدام المغش، حيث يتم تقطيع الكوسة مع الطماطم ثم هرسها مع لفيف من الكمون والفلفل الحار ووضعه في اناء فخار مصنوع من الطين مع السمك وخبز البر والخمير داخل التنور الذي يتلظى بجمر القرض (الغضا)، وخلال الدقائق العشر الأولى يتلقى زبائنها الواقفون في تأهب تام لاستلام وجباتهم الشهية والذهاب إلى العشش التي لا تبعد كثيراً من مطبخ خزيمة للاستمتاع بتناولها وأبخرة هذه الوجبة الحارة المتصاعدة تحفزهم على التلذذ بهذه الوجبة المغذية. عدد من الشباب السالكين لهذا الطريق القادمين من محافظة خميس مشيط ومدينة أبها بهدف الاستمتاع بأجواء العيد على هذه الشواطئ البحرية الجميلة وهرباً من أجواء المرتفعات الجبلية الباردة أكدوا لنا على أنهم يحرصون في كل مناسبة من مناسبات عيد الفطر على التوقف أمام هذا الموقع العتيق لتناول هذه الأطباق الشعبية وخاصة من أيادي خزيمة الذين وصفوها بشيخة السوق، واجمعوا أيضاً على تميزها في الاهتمام والنظافة عند إعداد هذه الوجبات الشعبية، بالإضافة إلى تخصصها في تقديم حلبة السليط التي يتناولها الزائر مع طبق السمك. كما رصدت "الرياض" أن كافة الأيادي العاملات داخل هذا السوق هن من نساء وادي حلي بمحافظة القنفذة وبعض القرى والمراكز التابعة لمنطقة عسير.. واللاتي يعملن وسط هذا الموقع الذي يفتقد لكافة الخدمات من كهرباء ومياه صحية، مناشدين المسؤولين في المنطقة بالتدخل لإنقاذ ما تبقى من هذا السوق المتهالك الذي أصبح يعكس صورة غير مرضية للوضع الحضاري والتنموي، ومطالبين بحث أمانة منطقة عسير وفروعها من البلديات والمجمعات القروية المنتشرة في أرجاء محافظات وقرى عسير في ايجاد موقع مخصص يضم كافة الخدمات الضرورية التي تساعدهن على الاستمرار في تقديم هذه المأكولات الشعبية المحببة للجميع والمحافظة على مصادر رزقهن الوحيد الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الاندثار والضياع أمام ضعفهن وقلة ذات اليد لهذه الأيادي السمراء التي أفنت أعمارها في خدمة هذه المهنة التراثية الجميلة.