كيف ترى احتفالية اليوم الوطني من خلال كل ما حولك؟.. تعرف أنه تتواجد أعياد لها قداستها واحترامها وهي عمومية الاحتفاء لك ولغيرك خارج وطنك.. لكننا الآن أمام خصوصياتك.. كيف ترى الاختلاف الكبير بين مرحلة تعليمك ومرحلة تعليم حفيدك؟.. تتذكر من كانوا يسيرون حفاة على تراب هو اسفلت الشارع أيام زمان.. وذلك الإيقاع الذي كان ينقر الأرض من عصي طلبة المعهد العلمي بدخنة المكفوفين.. تتذكر في قريتك كيف كان يأتي الماء إلى المنزل محمولاً بآنية كبيرة يسمونها "سحلة" ولا أعرف المصدر.. فمهنة "السقا" الذي يوزع الماء لم تنتشر في القرى.. تتذكر كيف كنت تخرج إلى المدرسة المتواضعة وتتلقى الدرس جالساً على الأرض وأطراف بعض أصابع يدك يلونها السواد من أثر جوانب محروقة في خبز "التاوه" الذي كانت تعده أمك.. هل بقي شيء من شتاء الأمس حين كانت فانلة القطن تحيط بصدرك مدة شهرين أو ثلاثة؟.. هل تذكر المثل الذي كان يتداوله الناس تعبيراً عن انبهارهم بأي جديد عليهم.. أو فرحهم بفائدة لهم حين يقولون: كأنه شايف مناير مصر.. نحن الآن رأينا فعلاً مناير الشانزليزيه في باريس وأكسفورد في لندن وبيفرلي هيلز في كاليفورنيا، بل نحن الآن نسعى إلى منافسة تلك المناير بوجود دلالاتها عندنا في شوارعنا الجميلة.. هذا الصباح في يومك الوطني.. عيدك الخاص.. حين تتذكر معظم تفاصيل الأمس إذا كنت في حدود الستين عاماً ألست تؤكد لنفسك بأنك تنتمي لمجتمع نادر جداً في تجربته ومحتوى كينونته، لأن مجتمعك ربما يكون الوحيد الذي خرج من ركود بدائية الإمكانيات والبساطة المتواضعة جداً في نوعية أدوات الحياة.. في مستوى المفاهيم ليكون في صدارة التقدم الاقتصادي والحضاري العربي.. إن ربط العيد الوطني لحاضرنا المزهر بماضينا المتواضع جداً هو شهادة تقدير يتماثل في أحقيتها أي مسؤول أو طالب أو مواطن متواضع الإمكانيات لأنه تجاوز الفقر والتخلف وفتك الأمراض وبساطة الاطلاع حافظاً وحدة وطنه رغم عواصف وأعاصير الأنظمة العسكرية العربية التي دمرت الإمكانيات ووضعت الشعارات بديلاً لها.. نختلف.. نعم.. ولذلك كان مشروع حوارنا الوطني.. لكننا جميعاً نتفق على أن وحدة الوطن هي الغاية التي لا ترتفع إلى جانبها غاية أخرى.. نحتفي باليوم الوطني وفي كل إيماءة سلام مع بعضنا نتحسس كما لو كانت كل كلمة طيبة في هذا اليوم هي تحية للبطل الذي وحّد الفئات ولم يسلط بعضها على بعض، وأسس لبناء الثروات فكان هذا التميز الذي نعيشه عربياً وإسلامياً..