«ولن أسمح للاعتبارات الدينية أو الجنسية أو العنصرية أو السياسية الحزبية أو المرتبة الاجتماعية أن تحول بين واجبي كطبيب وبين مرضاي. وسأتوخى الاحترام الفائق للحياة البشرية منذ نشأتها، حتى ظروف التهديد، ولن أستخدم معارفي الطبية بما ينافي قوانين الإنسانية. وإني أتعهد بذلك رسميا وبكل حرية، مقسما بشرفي».. ما سبق هو جزء من القسم المعلق بضمير كل طبيب وهو على عتبة الدخول، بضميره وعلمه، بين آلام البشر وأوجاعهم ومتاعبهم، وهو قسم لو تعلمون عظيم، أجبرتني نفسي على استحضاره في وميض لحظة وأنا أشاهد ما يحدث في في مدينة درعا السورية.. تذكرت خلال تلك اللحظة الخاطفة إنسانا اسمه «بشار الأسد» عرفنا أنه طبيب قبل أن يكون رئيسا لدولة.. لحظتها لا أدري كيف طغى خيال الطبيب في خاطري على خيال الرئيس. وهيمنت صورة «الحكيم» على صورة السياسي.. ودونما تحضير أو ترتيب اجتاحتني رغبة شديدة للحديث معه ك «زميل» مهنة لا أكثر، يتابع ما يجري في وطن زميله.. فخامة الطبيب/ الرئيس: قيل لنا إنك طبيب تخصصت في طب العيون.. وهل هناك ما يحتاج إلى رقة ومهارة مثلما تحتاج أوجاع العيون؟؟. العيون التي يرى بها البشر كل ما يجري في الحياة أنت طبيبها، فكيف بك اليوم ترى من يحاول أن يجعلها لا ترى الحقيقة والواقع؟؟. كيف يا طبيب العيون تصر على أن تكتب في وصفتك أن الكل مصابون بقصر النظر؟؟ كيف لهذا العالم أن يوافق على تشخيصك وهو يرى بوضوح شديد كل ما يجري في عيادتك التي جمعت فيها شعبا بقضه وقضيضه، وتصر على أنه يعاني من الكاتاراكت والجلوكوما والرمد الصديدي؟؟ يا فخامة الطبيب /الرئيس: أنا أحاول استعطافك لكي تستعيد معي ذلك الجزء من قسم الطبيب الذي سردته في استهلال كلامي.. هل تتذكره حينما أجازوك في لندن طبيبا للعيون؟؟. هل تتذكر أنه قسم غليظ يؤرق المنام ويزلزل الهدوء كلما تذكره الطبيب؟؟ لقد اخترت هذا الجزء من القسم لأنه المناسب جدا للحال الذي أنت وشعبك فيه.. لقد أقسمت، لو كنت أكملت كل اشتراطات ومتطلبات ممارسة المهنة، على أنك لن تسمح للاعتبارات «السياسية أو الحزبية» أن تحول بين واجبك كطبيب وبين مرضاك.. هل ألغى الرئيس فيك قسم الطبيب؟؟ هل غلبت السياسة على إنسانية الطب؟؟ وهل عندما تضمن القسم ذكر «الحزبية» كان يتوقع الذين كتبوه أنك ستواجه منظومة واحدة من أغلظ الأحزاب وأشدها بأسا؟؟ مفارقة عجيبة أن يتضمن قسم الطبيب مفردة الحزب، وتكون أنت طبيبا في الأساس، ثم رئيسا لدولة شريعتها هي شريعة الحزب!!.. ثم.. ثم يا فخامة الرئيس.. حاول أن تتأمل هذه الجملة الهائلة المرعبة في القسم: «وسأتوخى الاحترام الفائق للحياة البشرية منذ نشأتها، حتى تحت ظروف التهديد».. في هذا الوقت نكون مجانين بامتياز لو فكرنا في الحياة البشرية منذ نشأتها.. وسنكون أكثر جنونا لو فكرنا في الاحترام «الفائق».. أقصى طموحنا هو احترام الحياة الراهنة لبعض من يمثلون الحياة البشرية، أي شعبك، أو بعض شعبك لا أكثر.. شعبك في ... «درعا».. درعا التي كانت تنام على الوداعة والسلم والتسليم بالأمر الواقع زمنا طويلا.. وحين فاض بها الكيل، وأرادت أن تذكرهم ببعض حقوقها التي تمثل حقوق بقية شعبك، في طول وعرض سوريا: غاب الطبيب وحضر الرئيس..غاب الرئيس وحضر الحزب.. غاب الحوار وحضر القمع.. غاب العقل وحضر السحل.. لا نظن يا فخامة الرئيس أن درعا كانت تعد عدتها وترتب منذ وقت طويل لكي تشعل الحريق عبثا في أنحاء الوطن.. ولا نظن أنها كانت تحتضن عملاء.. عملاء لمن في درعا بالذات؟؟ ولا نظن أن شبكات الإرهاب لم تجد منصة انطلاق لها غير درعا المنزوية في أقصى جنوب التعب من الوطن.. حكاية تستعصي على الاستيعاب يا فخامة الرئيس، لكن الآلة الإعلامية الرسمية التقليدية التي لا زالت تستخدم الفحم الحجري تصر على إقناع العالم بأن العملاء والمتآمرين والإرهابيين قرروا أن يتمركزوا في درعا ويؤسسوا مركز قيادتهم لتقويض الأمن والرخاء والاستقرار الذي ترفل فيه سوريا!! معقول يا فخامة الرئيس، عفوا: يا طبيب العيون، أن يصاب العالم بالعمى في لحظة؟؟ .. فخامة الطبيب: كنا نتوقع منك أن تستخدم علمك الحديث كي تزيل الغشاوة التي حالت بين وطنك والمستقبل.. كنا نأمل أن تفتح صيدلية الطب المتطور.. كنا نأمل أن تكون عراب الرؤية الأوضح.. فخامة الطبيب/ الرئيس: نحن الآن على وشك انتهاء أسبوعين من القتل في درعا، والله وحده العليم بما يجري في غيرها.. أي مروءة من الأمن أن يحبس الرجال في البيوت ولا يسمح سوى للنساء بالخروج؟؟ أي إنسانية أن تغلق الصيدليات ويصادر حليب الأطفال ودواء المرضى؟؟ أي شهامة أن تنتصب أعناق الدبابات على جباه العزل، وتتطاول حتى تصل إلى خدور النساء؟؟ أي شيء أيها الطبيب/ الرئيس هذا الذي سيسجله التأريخ؟؟.. يا طبيب العيون رفقا بعيني............................ كن أنت أيها الطبيب الرئيس وحدد ماذا تريد أن يتذكرك ويذكرك به التأريخ؟؟ وتذكر جيدا أنك أنت وحدك الذي يحدد كيف سيكون مآله.. (عنوان المقال مقتبس من قصيدة للشاعر الفخم، الأستاذ/ محمد بن علي السنوسي، رحمه الله).. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة