يذكر الكاتب المعروف مشعل السديري في مقال حمل أيضاً اسم (الكلمات الأخيرة) أن آخر بيت قاله والده الأمير الشاعر محمد السديري -أو كتبه لأنه لم يكن يستطيع الكلام في آخر حياته- ووجه الخطاب فيه لأبنائه هو: (إن شفتكم ربّع فؤادي بالأزهار/وإن كان غبتوا صفّق القلب مقهور) وبعده غاب عن الحياة، أمّا الشاعر محمد بن عبدالله العسيلي فقد قال قبل وفاته قصيدة رائعة يسكب الدموع في مُستهلها ويتحدث عن قسوة الدنيا وتقلبها واستدراجها لأصحاب الأماني، وعن رحلة الحياة التي لا بُد من "عودة غائبها"، ثم يبتهل قائلاً: يا عالم الغيب نفسي لا تعذبها وتجعل لها حجةٍ من نور الإسلامي لنا مواعيد ما نقدر انجنبها توقيتها محكمٍ في وقته إحكامي رحماك رحماك يا مذري هبايبها يا وامر المسلمين بوصل الأرحامي دعوة طريح الخطايا لا تخيبها أنا ضعيف الوسايل والهدف سامي إليا وردت النفس ناضبةٍ مشاربها يالله من شربةٍ تقطع ظما الظامي والشاعر فيصل الرياحي توفي قبل عامين في حادث مروري وكانت قصيدته الأخيرة بعيدة عن موضوع الموت وتدور حول قضية قومية هي قضية غزة وتخاذل المسلمين عن حسم أمرها، وأيضاً كانت آخر قصيدة نشرها الشاعر طلال الرشيد قبل وفاته عن موضوع الطفولة وذكرياتها وجور الزمن؛ لكن بعض الشعراء الذين أتاهم الموت بغتة (وما أكثر ما يأتي هكذا) كتبوا قبل وفاتهم قصائد تحمل هاجس اقتراب الموت، فالشاعر نمر السحيمي كتب قبل وفاته بأيام قليلة قصيدة تُصور مشهد موته ودفنه كما رآه في المنام، والشاعر متعب العتيبي نشر قبل وفاته بيوم واحد فقط قصيدة نصح رائعة يُبشر فيها كل من يحرص على أداء الصلاة ويتحدث عن الحشر والحساب، يقول في مطلعها: (بشّر اللي حث رجله كل ليلة/للمساجد قاصدٍ رب العبادي)، ومثل هذه القصيدة أو القصائد التي تتضمن الدعوة إلى قيم الدين الحنيف أو يتوجه فيها الشاعر إلى خالقه طالباً مغفرته هي أجمل ما يمكن أن يختم به الشاعر المسلم مسيرته الشعرية وحياته، وقد كتب العديد من الشعراء كالأمير عبدالله الفيصل وغازي القصيبي وأبو تراب الظاهري وغيرهم من المبدعين قوافيهم الأخيرة في هذا الموضوع الذي تستحق القصائد المكتوبة فيه الحفظ والخلود. أخيراً قال الشاعر أبو نواس: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً فلقد علمتُ بأن عفوك أعظمُ أدعوك ربِ كما أمرت تضرعاً فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحمُ إن كان لا يرجوك إلا مُحسنٌ فبمن يلوذ ويستجيرُ المجرمُ