* استئنافاً لحديثي معكم - أيها الأعزاء - عن القيم العظيمة التي تعلمها المسلمون منذ ظهرت مع الدين الحنيف، وكانت محل تميز أمة الإسلام حين تمسكوا بها.. ولست راغباً في التكرار، لكني راغب في أن نعود جميعاً للتمسك بها صدقاً وإخلاصاً.. للعوز إليها في أيامنا هذه التي أقفرت فيها هذه القيم. @@ @@ @@ 6- ومما تعلمته - أيضاً - من الإسلام: تعلمت المعنى العظيم لما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بئس مطيّةُ الرجل: زعموا" أي: أسءوأ عادة للرجل أن يتخذ لفظ "زعموا" مركباً إلى مقاصده، فيخبر عن أمر تقليداً من غير تثبُّت، فيخط، ويُجرّبُ عليه الكذب. والمقصود - كما قال العلماء - أن اخبار الرجل بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح، بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت، ويكون على ثقة من ذلك، لا لمجرد حكاية على ظنّ. بل إن الأمر أبعد من ذلك؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكلّ ما سمع". @@ @@ @@ 7- ومن تلك القيم أننا إذا ربّينا أنفسنا، وأبناءنا، وبناتنا، على هذه المعاني الإسلامية السامية انطفأت نيران الإشاعات الضارّة في المجتمع، وسلمت الصدور، وانشغل الناس بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وعرف الناس عموماً، وطلبة العلم الشرعي خصوصاً، أنهم "مجتهدون ودعاة"، وليسوا قضاةً على البشر، يصنفونهم إلى فئة ناجية، وفئة هالكة، وفئة بينَ بين، بناءً على مقدار علمهم واجتهادهم، وفي حدود إنسانيتهم التي لا تصفو من شوائب الجهل والهوى. وقد قال رب العباد - سبحانه وتعالى - لأكرم خلقه - عليه الصلاة والسلام: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)، وقال له: (ما عليك من حسابهم من شيء). @@ @@ @@ 8- ومما تعلمته أيضاً اهتمام الإسلام بأعمال الجوارح الظاهرة، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، اهتماماً بالغاً، وجعلها أركاناً للإسلام، واهتم كذلك بأعمال القلوب وآداب النفوس، وتزكيتها: قال تعالى (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها). أما صورة العبادة الظاهرة إذا كانت خالية من روحها ومعناها، فلا قيمة لها، كما أشار الحديث الشريف: "رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظه من قيامه السهر"، ولهذا كانت "تزكية النفس" من أهم المهمات التي اعتنى بها الإسلام. @@ @@ @@ 9- كما أني راسخ الاعتقاد بأن الإسلام يظل دعوى باللسان مالم يطبّق في الواقع، وإن إقامة الشعائر هي المرحلة الاولى لظهور أثرها في النفس، والأخلاق، والمجتمع. وقد جاء في الحديث الشريف: "من لم يَدَعء قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، ومن الحكم الدائرة على ألسنة الناس: الدين المعاملة. @@ @@ @@ 10- ومما تعلمته في الصغر، وأحببته، وعملت به ما استطعت، ودعوت إلى الأخذ به: الرفق في الأمر كله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"، وقال: "إن الله رفيق يحبُّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، ما لا يعطي على ما سواه"، وفي حديث آخر: "... من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله". إن ما ندركه بالرفق، وحسن التأتي ولين الجانب، وصدق التقدير وما نسميه محلياً ب(العلم الغانم) أضعاف ما ندركه بالعنف، والقوة، والعبوس، والتجهم، مصداقاً للحكمة القائلة: "خيرت بين اللين والسيف فوجدت اللين أقطع". @@ @@ @@ 11- ومما تعلمت من شيوخي الأفاضل أن العالم الناصح، والمربي الصالح، هو الذي يأخذ نفسه بالعزائم بحسب وسعه؛ ليكون قدوة لمن ينصحهم ويربيهم، ويفتح للآخرين باب اليسر، الذي يتسع له صدر الإسلام؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث بعض أصحابه في بعض أمره قال: "بشروا ولا تنفروا، ويسّروا ولا تعسروا"، فاذا استطاع المربي الصالح أن يبعث في نفوس الناس الطمأنينة والسكينة فقد حقق واحداً من أهم مقومات الدعوة الفعالة. إن مسؤولية العاملين في حقل الدعوة والتربية مسؤولية مضاعفة، لأنهم بسلوكهم وطريقة عرضهم لأفكارهم إما أن يحببوا إلى الناس الدين، والفضائل، والآداب، ومحاسن الأخلاق، وإما أن ينفروهم منها. روى البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني لأتاخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: "أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز؛ فإن من ورائه الكبير، والصغير، وذا الحاجة". لو أن المسلمين - اليوم - أعطوا هذه القيم اهتماماً - وعلموها أبناءهم، واعتنت بها المؤسسات التعليمية على اختلاف مراحلها.. وجعلوها ضمن التقويم الذي به يقوم الطالب لكان لذلك أثره الواضح في صورة حياتنا جميعاً. @@ @@ @@ وفقنا اله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.