هل يحق للفنان أن يختار أدواره؟! هل يوجد فنان يختار لنفسه الأدوار الشريرة التي تجسد كل أنماط الخسة والرداءة واللصوصية، وهو الذي درس الفن وعلم أن المتلقين غالباً ما يسقطون سمات الشخصية في الدور الذي تلعبه على الشخصية الحقيقية في سلوكها اليومي المعيش؟! عادل أدهم و محمود المليجي لا يمكن تخيلهما شخصيات طيبة مسالمة رحيمة في حياتهما اليومية بعيداً عن الفن .. كما أننا لا يمكن أن نصدق بأن الفنان علي الشريف يمكن أن يكون في حياته لبقاً هادئاً يتحدث بصوت خفيض، ويأكل بالملعقة والشوكة، ونحن الذين لم نعهده إلا في تجسيد أدوار البلطجة والعنجهية والفتوة بالجلباب الصعيدي!! ولن نتخيل الفنانة هياتم في حياتها اليومية إلا وهي تمشي تترقص وتفرقع اللبان وتصبغ وجهها بمكياج كامل وأحمر شفاه فاقع!! الفنانة يسرا التزمت في السنوات السبع لأخيرة على عمل مسلسل رمضاني كل عام بمصاحبة المخرج مجدي أبو عميرة الذي تصرح يسرا في وسائل الإعلام المختلفة بأنها لن تعمل مع غيره من المخرجين، بزعمها، لأنه مخرج حساس حريص على إظهاري في أفضل صورة، ويفهم ما أريد جيداً !! والحقيقة أن الفنانة يسرا ليست في حاجة لمخرج يفهمها، بل في حاجة إلى مخرج يوكل إليها دور أعظم وأنبل شخصية، وأقوى إنسانة، وأصدق مناضلة في تبني قيم الحق والعدالة والفضيلة، أن يجعلها، باختصار شديد، المرأة السوبر، التي في مقدورها أن تتحدى أكبر العصابات، وأشد التنظيمات الإرهابية، وأذكى رجال الأعمال فتربح هي وحدها ويهزم الجميع، في مقدورها أن تحرق بالنار، أو تضرب بالرصاص فيموت كل من معها؛ بينما هي تبعث حية من جديد بل وتداوم بعد أيام في الجريدة التي تعمل فيها على نحو ما ظهرت في مسلسلها الأخير الذي يعرض حالياً في هذا الشهر "في أيدٍ أمينة". يسرا هي حياة الجوهري الموظفة صاحبة الحق والفضيلة في مسلسل "حياة الجوهري" التي يتزوج عليها زوجها وبالرغم من هذا تتماسك، وتركله جانباً، وتعد الجميع قبل نفسها بأن زوجها سيأتي إليها صاغراً نادماً على أنه فكر في غيرها، لينتهي آخر مشهد من المسلسل بوقوفه في مشهد ساذج، ضمن طابور طويل مع غيره من الشخصيات التي حاولت ذات يوم مجرد التشكيك في نزاهتها، فيما هي تبصق في وجوههم واحداً إثر الآخر. يسرا هي الزوجة الرائعة الحقوقية، النثى الفاتنة ذات القيم النبيلة في مسلسل "أوان الورد". يسرا هي "ملك" التي ترغم شاباً على الزواج منها، المربية التي تخلص في تربية أبنائها، الباسلة التي تضطر لأن تقتل من أجل الحق في مسلسل "ملك روحي". يسرا هي المهندسة الأرملة الطيبة التي تخلص في رعاية ولدها وبنتها وترفض كل مغريات الانتهاكات القانونية رغم حاجتها للمال، بل وتكشف عملية غش فظيعة في مشروع بناء وحدات سكنية، دون أن نعرف كيف، فتكافأ على ذلك من قبل أعلى سلطة، وتحظى بقلب رجل أعمال وسيم يعجب بشهامتها ونبلها النادر في مسلسل "أين قلبي". يسرا هي نادية أنزحة، الفتاة البسيطة التي تستطيع بذكائها غير المعهود وأنوثتها الكارثية أن تحقق كل ما تريد بالوسائل الممكنة وغير الممكنة في مسلسل "أحلام عادية". يسرا هي المذيعة لقاء، مقدمة البرامج التلفزيونية التي تستطيع بدهائها أن تكشف أكبر التنظيمات الإجرامية في مصر، ومن ضمنهم زوجها الذي ببسالة وتضحية تنفصل عنه، فتتحدى أكبر السلطات، ولا تأبه بالتهديدات التي تتربص بها من المافيا الشرسة، لكي تنتصر في النهاية بقوى خارقة للعادة في مسلسل "لقاء على الهواء". يسرا هي الزوجة التي تعرضت لاغتصاب مع زميلتيها فآثرت أن تقف في وجه العدالة والقانون والمجتمع، وحتى زوجها وأقاربها في سبيل تبني قضيتها والدفاع عن حقها وملاحقة المجرمين، ثم الانتصار وكسب المعركة في مسلسل العام الماضي "قضية رأي عام". يسرا هي أمينة، الصحفية الشابة الجذابة التي تفتح النار على المنظمات الإجرامية في مصر بعمل تحقيقات تتجاوز صفحات الجريدة التي تعمل بها إلى المواجهة الحقيقية، التي تفسد على كل اللصوص والغشاشين خططهم، فلا تخشَ التهديدات بالقتل، ولا خسارة الوظيفة، ولا الضرب بوابل الرصاص الذي نال من الجميع فأودى بحياتهم؛ لكنه، في معجزة قدرية، لم ينل سوى جزء من كتفها، وكأن الرصاص كان يعرف أنه يتوجه إلى الفنانة يسرا!! لا شيء يشغلها سوى الحق والعدالة وقضية المواطن المصري بكل مشكلاته؛ التعليم والخطف والفقر والوظائف .... والتي حتماً، وكما عودتنا، ستنتصر فيها يسرا، وبكل براعة، من دون حاجة أن ننتظر نهاية مسلسلها الحالي "في أيدٍ أمينة"!!