أعتقد ان القهوة كتقليد ومشروب ومجال وحيد يقضي في وقت تناولها الفرد والجماعة اجمل لحظاتهم اعتقد انها اليوم يسحب البساط من تحت أقدامها، وتضطر الى البعد عن الساحة شيئاً فشيئاً فهي كما يبدو تحتضر في وقتنا الحاضر وإن كانت ستبقى في فترة احتضارها مدة طويلة، ولعل الأسباب التي تجعل الرؤية حولها كما قلت والظن ربما كان في محله يتضح إذا نظرنا الى الوراء كيف بدأت ولماذا بقيت وإلى متى ستستمر. والحديث حول بقاء القهوة كتقليد هو حديث لا يهم كثيراً ما ينتج عنه سواء بقيت القهوة تتصدر قائمة الأولويات أو اختفت فكل ذلك لا يهم كثيراً اذ هي تقليد ساد وربما بقي وربما باد، مثلها مثل غيرها مما يألفه المجتمع ثم يزول، كما انها ليست شيئاً يرتبط بالمبادئ والمثل بل وربما وجدناها في الأصل وافدة من بلدان بعيدة استوطنت فألها الناس فانحسرت مرة أخرى لتعود الى مواطنها البعيدة. ولعلنا ننظر في الأسباب التي جعلت القهوة تحتل مكانتها في المجتمع، وتتصدر قائمة المرغوب فيه فنجد اول هذه الأسباب التصاقها بمجالس الرجال وارتباطها بلحظات التلاقي وأوقات الأنس والأفراح وكذلك تصدرها مقدمة الضيافة ودفة الترحيب والقبول في وقت لا ينازعها غيرها. هذه الأسباب جعلت القهوة تحتل مرتبة لا يكاد ينافسها تقليد اخر كما ان ارتفاع ثمنها لأنها مستوردة لا ينافسها منتج محلي جعلها ضمن قائمة خصال الكرماء الذين يبذلون الغالي والنفيس في سبيل جمع الرفاق وتلاقي الوجوه الطيبة لتبادل الأحاديث النافعة وحل المشكلات التي قد تطرأ في المجتمع وبحث الكثير من الأمور التي تطرأ على الجماعة. فإذا عرفنا هذه الأسباب ثم تتبعنا مدى صمودها عبر الزمن وجدنا ان المتغيرات الكثيرة بدأت تزيل الأسباب الأولى التي اعطت للقهوة سيادتها وبالتالي تراجعت تلك المكانة للقهوة اذ لم تعد سيدة الموقف ولا الوحيدة في مجالس المجتمعين، كما انها فقدت اهم ركيزة من ركائز وجودها وهي كونها تحظى بوقت نفيس بين المجتمعين اثناء اعدادها فهي المشروب الوحيد الذي يتم اعداده من قبل الرجال اثناء اجتماعهم وبينهم في المجلس كما ان وقت اعدادها يرافق وقت التعارف والترحيب، اي اللحظات الذهبية لكل لقاء، وبالطبع فلقاء اللحظات الأولى لا يماثل اللحظات الأخيرة. اما اليوم فقد اصبحت المجالس مملوءة بمصادر الأخبار فلم تعد العلوم او الأخبار من مصادرها المباشرة الذين هم الرجال المجتمعين، بل اصبحت عدة وسائل تسحب البساط من أولئك مثل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة كذلك وسائل الاتصال المتعددة، بل ربما اصبح المجلس الواحد فيه من الفئات العمرية العديد مما يجعل لكل فئة عمرية اهتماماتها الخاصة، كالرياضة والسياسة والأدب والاقتصاد وغير ذلك، فتشعبت مطالب وأهداف المجتمعين، بالإضافة الى ذلك اصبحت القهوة تقدم جاهزة وقد لا تقدم في (دلة) معتادة ذات لون اصفر يرتبط بماضيها الذي ألفناها عليه بل في أوان مصنوعة لحفظ السوائل الساخنة، مما يغير من نكهتها بل وطريقة تقديمها ومقدار ما يقدم منها، كما ان الشخص الذي يقوم بتقديمها ربما كان من الخدم الوافدين، والقهوة كما يعلم الجميع ليست مشروباً يروي من العطش او يتزود منه شاربه ليقطع المسير لرحلة قادمة انها (كيف) لا يشرب منه الا بمقدار تحقيق غرض الاجتماع والتعبير عن القبول للوجوه المشاركة في المجلس، ويعاب على من جعلها هدفاً يأتي من اجله او رغبة في الحصول على اكبر قدر منها وقد يوصف بأنه طفيلي، ومن هنا كان تقديم الفنجال مملوءاً لشارب القهوة اهانة ومنقصة عند البعض وربما اعاد الفنجال المملوء بتعبير الرفض. وشمل الشعراء وصف اغراض تقديم القهوة ولست هنا بصدد عمل القهوة التي افاض فيه بعض الشعراء بتفصيل كبير لكن اورد هنا الغرض من القهوة او اهدافها التي اذا زالت زال معها مركز القهوة، وأول هذه الأهداف حب التقارب والتآلف والأنس بالرفاق والحرص على جمع الشمل. يقول راكان بن حثلين: ياما حلى الفنجال مع سيحة البال في مجلس مافيه نفس ثقيله هذا ولد عم وهذا ولد خال والكل منهم ما ندور بديله فلم يذكر القهوة على انها مشروب يحب ان يتناوله او يشرب منه ما تطيب به نفسه فهو لا يريد منها سوى الأنس بالمجلس ومن فيه. ويقول محمد القاضي: دنيت لي من غالي البن ما لاق بالكف ناقيها من العذق منسوق احمس ثلاث يا نديمي على ساق ريحه على جمر الغضى يفضح السوق