النفط هو عصب الاقتصاد السعودي.. النفط المحرك الرئيسي لعجلة التنمية.. والنفط هو مصدر الدخل الرئيسي في المملكة.. عبارات دائما ما تتكرر عند الحديث عن الاقتصاد السعودي، وهي تعبر بشكل واضح وجلي عن أهمية هذا المورد والمكانة التي يحتلها بالنسبة للاقتصاد السعودي.. هذه المكانة والأهمية التي وصلت في كثير من جوانبها الى حد تبعية الاقتصاد السعودي للنفط واعتماده عليه في جميع فعالياته وأنشطته. لذلك فقد دأبت خطط التنمية الخمسية في المملكة منذ انطلاقها على اعتبار مسألة تنويع القاعدة الاقتصادية قضية محورية وهدفا استراتيجيا تسعى من خلاله الى الخروج من معضلة الاعتماد الكامل على النفط وكونه المصدر الرئيسي للدخل والمهيمن على كافة نشاطات الاقتصاد الوطني وقطاعاته، وهذه المعضلة كانت وما زالت تشكل تهديدا خطيرا للأمن الوطني في بعده الاقتصادي، فالكيان الاقتصادي الذي يعتمد على مورد واحد تتدخل في تحديد انتاجه واسعاره عوامل خارجية متعددة لا يمكن ان يكون كيانا اقتصاديا راسخا ما لم يكن هناك استثمار فعال لمردود ذلك المورد بحيث لا يكون الاعتماد على المورد الواحد اعتمادا كبيرا حين تتنوع مصادر المردود وحين تكون هذه المصادر قادرة على التماسك. والآن.. وبعد مرور ما يقارب الاربعين سنة على انطلاق خطة التنمية الأولى في العام (1970م) حيث نقترب من نهاية الخطة الخمسية الثامنة، فان السؤال الذي يطرح نفسه وبالحاح هو: ماذا حققنا في مجال توسيع قاعدة الاقتصاد السعودي وتنويعها؟ من خلال استعراض سريع لبعض المؤشرات الاقتصادية وفق احصائيات مؤسسة النقد نلاحظ ما يلي: - في العام (1970م) والذي شهد انطلاقة خطة التنمية الأولى كانت نسبة مساهمة القطاع غير النفطي تمثل (34.2%) من إجمالي الناتج المحلي و(10.3%) من ايرادات الميزانية و(0.3%) من إجمالي الصادرات. - أما في العام (2005م) والذي بدأت فيه الخطة التنموية الثامنة فقد بلغت نسبة مساهمة القطاع غير النفطي (66.5%) من إجمالي الناتج المحلي و(10.5%) من ايرادات الميزانية وحوالي (11%) من مجموع الصادرات السعودية. إن عملية المقارنة بين هذه الارقام والاحصائيات تدل بشكل واضح على أن ما تحقق في مجال تنويع القاعدة الاقتصادية لا يزال ضعيفا ولا يتناسب مع الآمال والطموحات المتعلقة بهذا الجانب ولا مع المبالغ الضخمة المستثمرة فيه، وهو ما يعني ان اقتصادنا الوطني لا يزال واقعا تحت رحمة النفط الذي بدوره يخضع لاعتبارات اكثرها خارجي يصعب التحكم فيها او السيطرة عليها يأتي في مقدمتها عملية العرض والطلب في الأسواق الدولية، ولعل مما يؤكد ذلك ويدل عليه تلك العجوزات الضخمة التي لحقت بالميزانية السعودية نتيجة لتراجع عائداتها من النفط بدءا من العام 1982م وما بعده الى أن بدأت اسعار النفط في الاستقرار ثم الارتفاع مرة أخرى نهاية العام (2002م) حيث عادت الميزانية الى تحقيق الفوائض مرة أخرى. ان هذا الواقع يفرض التحرك بسرعة اكبر وفعالية اكثر نحو وضع وتنفيذ خطط استراتيجية متكاملة ذات اهداف واضحة، وبرامج عملية ضمن جداول زمنية محددة لاستغلال عوائد الثروة النفطية وخاصة خلال هذه الفترة التي تشهد ارتفاعا كبيرا في اسعاره، وذلك من أجل دفع الخطوات الهادفة التي تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الاقتصادية، وبالتالي التقليل من الاعتماد على النفط والتحرر من سيطرته.وهنا لابد من الاشارة الى أن من الضروري جدا ان تتولى الحكومة دورا رياديا فعالا في هذا الشأن من خلال القيام باعداد وتطوير واستكمال البنى التحتية اللازمة للنمو في هذا المجال بجميع افرعه، وكذلك التوسع وبشكل مدروس في استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتشجيع وتيسير دخولها السوق السعودية وحثها على الاستثمار في القطاعات النفطية وغير النفطية، والعمل على دعم الجهود الهادفة الى تفعيل الدور التنموي للقطاع الخاص وتهيئة المناخ الملائم لزيادة انشطته واستثماراته وتنويعها وتعزيز كفاءته الاستثمارية والإنتاجية والتنظيمية.