قرأت في مجلة خليجية لقاء كلاسيكيا مع "طبيب شعبي" ابتكر خلطة لمقاومة الصلع وإيقاف البرص وعلاج العقم - ولم ينس خلال اللقاء إضافة وهن العظام ومقاومة الإيدز وعلاج الحصبة والنقرس.. ولقاءات مفبركة كهذه هي في الحقيقة مجرد تسويق وترويج - غير لائق أو مسؤول - لدجالين ومشعوذين ينتسبون لمدرسة مطاطة تدعى "طب الأعشاب".. ومن العجيب أن هذه النوعية تتفوق على معظم الأطباء المحترمين في الثراء والشهرة ونسبة الإقبال.. وهذه المفارقة - التي حيرتني طويلا - أعيدها شخصيا إلى افتقاد الفئة الأخيرة لمهارة التواصل واستغلال العامل النفسي والاعلامي.. فالطبيب الرسمي يفتقد للهالة الاعلامية والسمعة المدوية لأي طبيب شعبي معروف.. وهذه الهالة مهمة لغسل مخ المريض مسبقا والاستفادة من التأثير الوهمي (او البلاسيبو) في العلاج. فحين تدوي شهرة احد الأطباء الشعبيين (ويروج عنه الإعلام حكايات خارقة) يتضخم التأثير الوهمي في رأس المريض ويصبح مهيّأ للشفاء قبل زيارته أصلا!! .. أضف لهذا يتفوق أدعياء الطب في استغلال العامل النفسي لأقصى درجة ممكنة (ومعروف دور العامل النفسي في تدعيم الجهاز المناعي).. فالطبيب "الشعبي" يبالغ غالبا - ويضرب في العالي - لإقناع المريض بأنه المخرج الوحيد لمشكلته. وحين يصل الخوف بالمريض مبلغه ويظن انه هالك لامحالة يخرج له "صُرة" فيها دواء خارق يشفي من كل الامراض المستوطنة والتي ستستوطن لاحقا ( اما الطبيب المحترم فلا يستطيع اخبار المريض بغير الواقع ولايصف له غير ما يوجد في صيدلية الوزارة الهزيلة ... ) !! وحين فكرت بأهم المهارات المطلوبة لتحويلك (وتحويل أي شخص لا يجيد كتابة اسمه) إلى طبيب مشهور توصلت للتالي : @ استأصل هذا الورم الحميد المسمى (ضمير) ! @ تعلم إطلاق الوعود البراقة وعِد مريضك بنتائج خارقة خلال يومين !! @ اخبره ان مرضه بالغ الخطورة ولكنك - لحسن الحظ - توصلت مؤخرا للتركيبة المناسبة. @ ادعي أنك تلقيت دعوة من مستشفيات متخصصة للعمل معهم ولكنك فضلت البقاء لخدمة "الربع" ! @ علق خلف كرسيك شتى أنواع الشهادات وخطابات الشكر - وياليت تترجم بعضها "للانجليزي"! @ وإن حالفك الحظ وعالجت شخصيات مشهورة فاحرص على التقاط صور معهم وضعها على مكتبك (من الجانب الذي يجلس فيه المرضى) ! @ اخبر مريضك أنك كثيرا ماتحلم بأناس صالحين يرشدونك ويعلمونك صنع هذه الخلطة أو تلك اللبخة - ولضمان نشر المعلومة اطلب منه بتواضع "عدم إخبار أحد"! @ وحين يسألك المريض عن دواء جديد سمع عنه اسخر منه وقل "لالالا هذا قديم وعندي ماهو افضل"!! @ ولأن الأطباء كالحلاقين - كلما ذهبت لأحدهم حش بالآخر - بالغ في السخرية من الأطباء المحترمين موحيا لمرضاك بأنك الأفضل!! @ أيضا ؛ أوحي إليهم أنك طبيب وطني مخلص وقل شيئا من قبيل : رغم أن الاوضاع "زفت" إلا انني رفضت عرضا للعمل في امريكا أو بيع اكتشافي لفرنسا! @ وبالطبع من المهم التعرف على صحفيين مرتزقة لفبركة لقاءات دعائية عن آخر انجازاتك الطبية (فما زاد الدجالين شهرة غير كتاباتنا عنهم) ! @ واحذر كل الحذر من التردد وفقد الثقة بالنفس (فهذا لا يهز ثقة المريض بك فقط) بل ويقلل من فعالية التأثير الوهمي (أو البلاسيبو) المسؤول عن شفاء معظم الحالات الواردة إليك!! @ وأخيرا تعلم فن التسويف والمماطلة في حال تأخر الشفاء.. فما يعجز عنه البلاسيبو ينجح به الجهاز المناعي.. وما يعجز عنه الجهاز المناعي يتكفل بستره الحانوتي.. وهكذا ...