حسب فهمي للانتداب فهو تكليف موظف بمهمة خارج مقر عمله داخل الدولة أو خارجها لمدة محدودة لتنفيذ مهمة معينة أو حضور دورة تدريبية لتطوير قدراته وتحسين أدائه بما يحقق مصلحة الجهاز الذي ينتمي إليه. ورغم أنني لم أتمكن من حصر أعداد موظفي الدولة المنتدبين إلى خارج المملكة خلال عام واحد والمهمات المكلفين بها والمبالغ التي تم هدرها عليهم وأثرها على تطوير قدراتهم وتحسين أداء جهات عملهم إلا أنني أكاد أجزم أن غالبيتهم حصلوا عليها كمكرمة من صاحب الصلاحية لقضاء إجازة صيفية مدفوعة الثمن تحت مسميات متعددة أشهرها جيوش الوفود الإعلامية والإدارية المرافقة للفرق الرياضية التي تعود كعادتها حتى من دون خفي حنين، ومعارض الكتاب التي تشارك فيها عدد من الجهات الحكومية بمطبوعات رسمية لا يمكن تسميتها بكتب حقيقية وتقوم بقية الجهات بإرسال مندوبيها لحضور المعارض وشراء كتب لا تحتاجها رغم أننا أقل شعوب العالم اهتماماً بالقراءة وغالبية الجهات التي تتسابق لإرسال مندوبيها لمعارض خارجية لا ترسلهم لمعارض مقامة بجوارها داخل مدينة الرياض. ويظل أطرف الانتدابات هو انتداب محافظي ورؤساء بلديات محافظات سعودية للقيام بجولة سياحية في ربوع ايطاليا والإطلاع على تجربتها في استقطاب عشرات الملايين من السياح للاستفادة منها وتطبيقها في محافظاتنا الغالية التي تفتقر غالبيتها لمقومات السياحة ويفتقر بعضها للحد الأدنى من الخدمات الأساسية ولا يقوم بزيارتها إلا أهلها من باب الوفاء وصلة الرحم فقط أو العابرين الذين يتوقفون لتعبئة سياراتهم بالوقود. أما اغرب الانتدابات فهو انتداب وفد من معهد أبحاث الحج إلى الصين لرصد تجربة الصين في إدارة الحشود البشرية خلال دورة الألعاب الأولمبية المقامة حالياً في بكين وكيفية تعامل الجهات الصينية معها للاستفادة منها في موسم الحج. وحين قرأت هذا الخبر توقعت أن هناك خطأ في صياغته وأن وفد معهد أبحاث الحج بخبراتنا المتراكمة لأكثر من ألف وأربعمائة عام في إدارة حشود حجاج بيت الله الحرام الذي تجاوز عددهم ثلاثة ملايين شخص سنوياً في العقود الأخيرة قد تكبد مشقة السفر والغربة للمساهمة في توطيد العلاقات بين المملكة والصين ومساعدتها في تنظيم الأولمبياد. فمن هي صاحبة التجربة التي يفترض الاستفادة منها في إدارة الحشود؟ الدولة التي استقبلت في مناسبة رياضية تنظمها لأول مرة عشرات أو مئات الآلاف من الرياضيين والإعلاميين والزوار و(المتفرجين والمرافقين) في ثلاثين مرفقاً رياضياً لا يستوعب أكبرها أكثر من تسعين ألف شخص منتشرة في أرجاء مدينة ضخمة مكتملة الخدمات. أو الدولة التي تستقبل سنوياً ثلاثة ملايين حاج يتنقلون خلالها دفعة واحدة وفي وقت واحد بين المشاعر المقدسة.