مرّ زمن كان الانتداب ميزة ممدوحة يبحث عنها الموظف. ومنذ عقد أو أكثر قليلا بدأت الرغبة تتضاءل. من قائل إن المصاريف السفرية المستوجب على المنتدب دفعها صارت تفوق ما يقرره النظام. وآخرون قالوا إن مصاعب السفر والحجز أصبحت لا تطاق مقابل قروش قليلة. ومنتدب يقول إنه عجز عن الحصول على فندق قريب من المطار، فنام على كراسي الصالة في فندق ريثما يجدون له غرفة. وكان الانتداب مزيّة تفضيلية يسعى ويركض الموظف لينالها، مرة أو مرتين في العام، خصوصا في أشهر الصيف عندما تذهب لجان التعاقد إلى لبنان وسوريا ومصر، وأذكر هذا من أيام عملي في وزارة المعارف. ثم كثُرت انتدابات الرئاسة وأيضا وزارة العمل (لمعاهدها). وهكذا. قديماً، كانت المكاتب الثقافية السعودية في الخارج يفوق عدد موظفيها من رسميين ومتعاقدين أعداد الطلبة الذين يدرسون في ذات البلد. وكانت لجان التعاقد تأتي في الصيف من وزارة المعارف ووزارة العمل لاختيار المدرسين ومن الرئاسة العامة لتعليم البنات لاختيار المدرسات والمشرفات والأخصائيات الاجتماعيات وغير أولئك وتلك. ومرّ ذلك الزمن الذي كان فيه ثلث الموظفين منتدباً لبيروت أو الشام أو باريس أو لندن. والثلث الثاني في طريقه إلى الانتداب - في لجان أيضا والثلث الأخير قد أنهى انتدابه وربط الانتداب بالإجازة السنوية..! توارت تلك العادة أو اضمحلت إن لم نقل زالت. لكن الموظف أو ما يشبه الموظف..! ابتدع لنفسه وأسرته ما يكفل له مواصلة هذه الهواية أو على الأقل يبقي على جزء منها والاستغناء بعض الشيء عن بعض الذخيرة المالية ليستعيض عنها بنوع جديد من الامتياز. جاءتنا في الثمانينيات الميلادية مسألة المعارض الإعلامية، ومعارض الفن واللون واللوحات، وخيام الدعوة. بعضهم يتردد وبإلحاح عند أصحاب القرار، طيبي القلوب إن شاء الله. مشيرين إلى جدوى يمكن أن تلقي ضوءاً أو تركز انتباه البلد الأجنبي إلى بلدنا. وهي إقامة مشروع إعلامي أو علمي أو رياضي أو شيء ذي صلة. وبمجرد إقراره من ذوي الشأن يكون صاحب الفكرة ومن والاه وساعده هو - أو هم - المشرفين على المشروع ومتابعة إنجازه بما يتطلب ذلك من تكرار سفرات وأجنحة فنادق ومعاملة شخص عظيم الشأن حيثما حل وارتحل. ومع ان العناوين تغني عن التفاصيل إلا انه كان - وربما لا يزال - بيننا رجال يكثر الواحد منهم منهم الترداد كي تدخل كلمته أذن مسؤول.. ثم يستوي الطبخ..!