العلاقات السعودية - التركية شهدت تطوراً ملحوظاً ومهماً في السنوات الأخيرة مما انعكس ايجاباً على علاقات تركيا بدول التعاون بصفة خاصة وعلى علاقاتها بالدول العربية عموماً. وشكلت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتركيا في أغسطس 2006م ونوفمبر 2007م نقلة نوعية في علاقات البلدين ونقطة تحول تاريخية توجت بالاعلان المشترك للتعاون في كافة المجالات. ولأهمية العلاقات السعودية - التركية كان لنا هذا اللقاء مع السفير السعودي الدكتور محمد بن رجاء الحسيني: @ الآن وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات منذ أن باشرتم عملكم في جمهورية تركيا كسفير لخادم الحرمين الشريفين ما هو تقييمكم للعلاقات السعودية - التركية؟ - ان العلاقات تتطور من حسن إلى أحسن حيث شهدت العلاقات بين تركيا والمملكة تطوراً ملحوظاً في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة في السنوات الأخيرة خاصة بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة بزعامة دولة رئيس الوزراء الحالي (رجب طيب أردوغان) الحكم عام 2002م والذي أقام علاقات وثيقة شخصية ورسمية مع قادة المملكة وامتدت هذه العلاقات لتشمل دول الخليج الأخرى والدول العربية. وهذا الانفتاح على دول المنطقة انعكس ايجابياً على العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية بين تركيا وهذه الدول وهذا ليس بمستغرب إذ تربط بين تركيا ودول المنطقة علاقات تاريخية وثقافية ودينية وثيقة. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فقد تكللت علاقاتها بتركيا بالزيارة الرسمية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - لتركيا في أغسطس 2006م وهي الزيارة الأولى لملك سعودي لتركيا منذ 40عاماً حيث كانت آخر زيارة لملك سعودي في أغسطس 1966م وهو المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود. وشكلت زيارة خادم الحرمين الشريفين لتركيا في أغسطس 2006نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين على كافة المستويات ووصفتها مختلف وسائل الإعلام التركية والأجنبية بأنها "نقطة تحول تاريخية ليست في العلاقات بين المملكة وتركيا بل وبين تركيا والعالم العربي" ووصفتها هذه الوسائل بأنها "الزيارة التي أمحت فتوراً في العلاقات بين البلدين لأكثر من أربعين عاماً". ومن الجدير بالذكر انه تبع هذه الزيارة الملكية الكريمة زيارة أخرى قصيرة لتركيا لخادم الحرمين الشريفين من 9- 10نوفمبر 2007م وهي الزيارة الثانية خلال 13شهراً وتم خلال هذه الزيارة التوقيع على عدد من الاتفاقيات وإعلان مشترك للتعاون بين البلدين في كافة المجالات. ويلاحظ أن هناك توافقاً في معظم مواقف المملكة وتركيا تجاه مختلف القضايا ويتضح ذلك فيما يلي: @ تتفق تركيا والمملكة في إدانة وشجب الإرهاب بكل صوره وأشكاله خاصة وأنهما عانتا من الأعمال الإرهابية على أراضيهما وخارجها. وتدعوان إلى توحيد الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب ومكافحته واستئصال جذوره. @ تدين كل من المملكة وتركيا فكرة الصدام بين الحضارات وتدعوان الى التعايش السلمي البنّاء بين الحضارات وأن تقوم العلاقات بين الشعوب والدول على حوار يحترم كل طرف فيه الطرف الآخر ويحترم مقدساته وعقائده وهويته. @ وبالنسبة لمشروع الشرق الأوسط الموسع وشمال أفريقيا يتفق موقف تركيا مع موقف المملكة الداعي إلى أن تأتي الإصلاحات من الداخل ولا يجري فرضها من الخارج، وأن تكون الإصلاحات حسب أوضاع وخصائص كل دولة، وليست على شكل قالب واحد يجري تطبيقه في جميع الدول. @ وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ترى تركيا ضرورة تطهير منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية. وتؤكد تركيا أنها لا ترغب في أن تمتلك أي دولة مجاورة أو أي دولة في المنطقة الأسلحة النووية وهو موقف مماثل لموقف المملكة الذي عبّر عنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بقوله: "لا يوجد أحد سيسر بجار لديه قوة نووية". @ تؤيد تركيا عملية السلام في الشرق الأوسط وحل النزاع الفلسطيني على أساس قرارات الأممالمتحدة ومبدأ الأرض مقابل السلام وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة جنباً إلى جنب مع إسرائيل. وتؤيد تركيا مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للسلام في الشرق الأوسط والتي تبنتها الجامعة العربية بالإجماع والتي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام كخيار استراتيجي. @ ويتفق موقف تركيا تجاه التطورات الأخيرة في العراق الى حد كبير مع موقف المملكة العربية السعودية وهو السعي إلى إقامة عراق موحد مستقل ديمقراطي ذي سيادة والامتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية وأن مفتاح الحل للوضع العراقي هو ضرورة المصالحة الوطنية العراقية الشاملة ومشاركة كافة فئات الشعب العراقي في العملية السياسية. وتشارك المملكة وتركيا بفعالية في اجتماعات الدول المجاورة للعراق على مستوى وزراء الداخلية والخارجية وهي الاجتماعات التي جاءت بمبادرة من تركيا وتعقد منذ عام 2003م وتستهدف مساعدة حكومة وشعب العراق لتحقيق السلام الشامل والاستقرار والازدهار. @ إن المملكة وتركيا ليست لهما أي أهداف توسعية أو أطماع في أراضي الغير وثروات الآخرين من دول الجوار وغيرها بل إنهما سخرا ما تتمتعان به من ثروة لرفع مستوى معيشة شعبيهما ولم تترددا في مساعدة الآخرين. كما تجدر الإشارة إلى أن عدد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبروتوكول التي تم توقيعها أثناء وفي أعقاب الزيارتين الملكيتين الكريمتين المشار إليهما تجاوز عددها (13) وهناك اتفاقيات أخرى تحت المراجعة والإعداد. هذا ومن الناحية الاقتصادية والتجارية فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين لعام 2007م حوالي (4) مليار دولار.. @ استقبلت تركيا أعداداً كبيرة من السياح السعوديين هذا العام، هل لديكم فكرة عن أسباب هذه الزيادة وما هي نصائحكم للزائرين لتركيا من السعوديين؟ - هذا صحيح فقد استقبلت تركيا عدداً كبيراً من السياح السعوديين هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة وليس لدي العدد تماماً فالسياح السعوديون الذين يحملون جوازات سفر عادية يحصلون على تأشيرات الدخول من المطارات التركية. ومعظم السياح لا يسجلون جوازاتهم لدى القنصلية السعودية في اسطنبول أو لدى السفارة في أنقرة، لذلك من الصعب معرفة عدد السياح السعوديين تماماً. وبالنسبة للأسباب فمن المعروف أن تركيا بلد جميل يضم مناظر طبيعية خلابة وآثار ومتاحف متنوعة ومواقع أثرية نادرة وشواطئ جميلة الى جانب أن الشعب التركي شعب كريم ومضياف ويحسن التعامل مع السياح من كافة أنحاء العالم كما أنه بلد آمن ونظراً لتقارب العادات والقيم والتقاليد المشتركة بين المملكة وتركيا نجد أن السائح السعودي يشعر وكأنه في بلده. كذلك شجعت المسلسلات التركية التي تعرض يومياً على القنوات التلفزيونية العربية على زيارة تركيا وإن كنت أنا شخصياً لا أحبذ الكثير من أحداث هذه المسلسلات التي لا تتفق مع قيمنا وعاداتنا إلا أن المسلسلات التركية تم تصويرها في مواقع سياحية جذابة وممتعة شجعت الكثير من المشاهدين لها على زيارة تركيا.. علماً بأن هذه المسلسلات سبق أن عرضت على القنوات التلفزيونية التركية قبل حوالي 4سنوات إلا أنها لم تجد رواجاً في الأوساط التركية.. ونقلاً عن وسائل الإعلام التركية التي استغربت رواج وشعبية هذه المسلسلات في المملكة ودول الخليج والعالم العربي فإن هذه المسلسلات كانت غير ناجحة والممثلون والممثلات فيها مغمورون غير معروفين للمجتمع التركي.. والآن أصبح القصر الذي تم تصوير أحد المسلسلات معلماً سياحياً يؤمه السياح من دول الخليج والعالم العربي برسم دخول قدره (50) دولاراً للشخص الواحد وهي ظاهرة غريبة تستحق الدراسة.. كما أن الأسبوع الثقافي التركي الذي أقيم ضمن فعاليات الجنادرية قبل أشهر في الرياض وما شاهده المواطنون السعوديون من فنون وفولكلور وصناعات وحرف تركية وأفلام وثائقية شجعت أيضاً الكثير من السعوديين على زيارة تركيا. @ لقد عملتم في السلك الدبوماسي قرابة 40عاماً فحدثنا عن هذه التجربة الغنية التي طافت بكم حول العالم؟ - نعم هي تجربة طويلة ومثمرة بلغت 40عاماً منها 37عاماً متواصلة في الخارج متنقلاً بين مختلف القارات ومن عاصمة إلى أخرى وأحمد الله أنني أحد الدبلوماسيين الذين ينتمون إلى هذا البلد وطالما شعرتُ بالفخر والاعتزاز وأنا أمثّل بلدي في الخارج فسياسات المملكة الحكيمة والمتزنة تجاه مختلف القضايا والشعوب تجعل الدبلوماسي يفخر بتمثيله لبلاده خاصة موقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية فقد عاصرت تضحية المملكة بعلاقاتها ببعض الدول اما بإغلاق سفارتها أو بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع بعض الدول لمواقف تلك الدول غير الودية تجاه القضية الفلسطينية.. وأود أن أُشير إلى بعض مواقف المملكة المشرّفة والتي أقف أمامها كدبلوماسي مرفوع الرأس فعلى سبيل المثال لا الحصر: - كانت أراضي المملكة وما زالت المكان المناسب لاجتماع الفرقاء ليتمكنوا من تجاوز خلافاتهم لما فيه وحدة الصف ورأب الصدع سواء بين الاخوة اللبنانيين أو الفلسطينيين أو السودانيين والتشاديين أو الصوماليين فالمملكة وهي تقوم بهذا الدور ليست لديها أي أهداف أو أجندة خاصة سوى العمل لما فيه وحدة الصف والكلمة وحل النزاعات الإقليمية بالطرق السلمية وبالحوار. - دور المملكة الإنساني في مساعدة الدول والشعوب الأخرى فنجد المملكة في مقدمة الدول التي تهب إلى مد يد المساعدة للمتضررين من الزلازل والكوارث والأعاصير في مختلف أنحاء العالم.. والأمثلة على ذلك كثيرة. - تسعى المملكة من خلال الصندوق السعودي للتنمية إلى إقامة مئات المشاريع التنموية في الدول النامية بما يسد احتياجاتهم التنموية والإنسانية بقروض بعضها ميسرة وطويلة الأجل وبعضها الآخر غير مستردة.. وفي بعض الفترات شكلت مساعدات المملكة الخارجية ما نسبته حوالي 4% من دخلها الوطني وهي أعلى نسبة تقدمها دولة في العالم لمساعدة الغير بالنسبة لدخلها الوطني. - تعاملت المملكة مع المنحرفين والمغرر بهم من مواطنيها من قبل تنظيمات إرهابية بكل حكمة وتعقل بعيداً عن أي تعسف أو انتقام وسعت الجهات المختصة إلى إعادة تأهيلهم ونشر الوعي بينهم بالتنسيق مع أهاليهم وأصبحوا مواطنين صالحين في المجتمع.. ونظراً لنجاح هذا الأسلوب في الحد من الأنشطة الإرهابية سعت دول كثيرة إلى الاستفادة من هذه التجربة في كيفية التعامل مع أمثال هؤلاء. - وجاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - الأخيرة في مدريد والمتمثلة في عقد الحوار العالمي للأديان ليكلل دور المملكة عالمياً مؤكداً أن المملكة تتطلع لأن يسود الوئام والسلام ليس بين المسلمين بمختلف مذاهبهم فحسب بل بين شعوب العالم بكافة معتقداتهم وأكد خادم الحرمين الشريفين في أكثر من مناسبة أن "مبدأ الحوار هو جزء أصيل من تعاليم الدين الإسلامي في القرآن والسنة". وأود أن أنوه بهذه المناسبة أن المملكة لم يقتصر دورها وجهودها على الدعوة إلى الحوار خارج حدودها بل دعت إلى حوار داخلي اتسم بالشفافية والمصارحة وهذا الحوار الداخلي الذي يتنقل داخل مختلف مناطق المملكة على مدار العام يتيح الفرصة لكل مواطن ومواطنة سواء من القطاع العام أو الخاص لإبداء رأيه وتوجيه النقد إلى كبار المسؤولين في الدولة مباشرة وبدون شروط وقيود، وتنقل وسائل الإعلام المختلفة في المملكة أهم ما يدور في هذا الحوار الوطني. @ هذه كلها مواقف تجعل أي دبلوماسي سعودي يفخر ويعتز بدور المملكة الريادي والمشرف في كل موقع ومكان. @ لقد تعاملتم على مدى أربعين عاماً من العمل الدبلوماسي مع ثقافات وعادات وتقاليد وديانات مختلفة وأجواء مناخية متنوعة، كيف استطعتم التأقلم مع هذه الاختلافات؟ - لم يكن من السهل علي التكيف مع الحياة في مجتمعات تختلف عن مجتمعي فقد نشأت في بيئة محافظة متدينة لها عاداتها وتقاليدها وقيمها وفوجئت في بعض المواقع بما يسمى بالصعقة الحضارية أو الصدمة الثقافية ولكن تغلبت عليها بالصبر وأخذ الأمور بسهولة دون تعصب وتفادي توجيه النقد والمواجهة مع هذه المجتمعات المختلفة عن مجتمعنا في كل شيء أحياناً، ومما لا شك فيه أن تنقلاتي المتعددة والمتواصلة أكسبتني خبرة كبيرة في الحياة وثقافة واسعة عن مختلف الدول والمجتمعات كما رسخت في التسامح واحترام وقبول الآخر بصرف النظر عن ميوله واتجاهاته وتعلمت أن احترام الآخرين عنصر هام في العلاقات بين البشر، إلا أن تواجدي مدة طويلة متواصلة في الخارج مع عائلتي وأبنائي في دول غير عربية كان لها تأثير سلبي عليهم جميعاً فأبنائي لا يجيدون اللغة العربية قراءة وكتابة ويجهلون الكثير من عادات وتقاليد مجتمعنا، وهي تضحية كبيرة وفي نفس الوقت مؤلمة للوالدين. @ مع هذه الخبرة الكبيرة لديكم ما هي النصائح التي توجهونها للدبلوماسيين الشباب والذين يخرجون للعمل في الخارج لأول مرة؟ - يجب أن يكون الدبلوماسي حسن المظهر ويتمتع بثقافة واسعة وشخصية مريحة وعلى دراية كبيرة بالتاريخ القديم والحديث فالدبلوماسي يستفيد من الأحداث التاريخية في تعامله مع الكثير من الأمور والمشاكل التي قد تواجهه فقد "يعيد التاريخ نفسه". ومن المهم أن يجيد الدبلوماسي لغة أو أكثر من اللغات الحية إلى جانب لغته وبالذات اللغة الإنجليزية حيث يتقنها معظم الدبلوماسيين في العالم وبدون اللغة يصعب الاتصال بالآخرين أو التحدث معهم ومن المستحيل تبادل الآراء والمعلومات معهم وبذلك سيكون الدبلوماسي معزولاً عن الآخرين وفي موقف حرج وقد يؤدي ذلك إلى عدم مشاركته في كثير من الحفلات والأنشطة ويسعى إلى تفاديها وبالتالي لن يتمكن من خدمة بلاده ولا حتى نفسه، وإذا أجاد الدبلوماسي لغة البلد الذي يعمل فيه وإن لم تكن من اللغات الحية فهذا سيضيف الكثير إليه وسيشعر المسؤولون في البلد المضيف بالارتياح عند الحديث مع من يجيد لغتهم فإذا كان "من تعلم لغة قوم أمن شرهم"، فإني أقول أيضاً "من تعلم لغة قوم كسب ودهم". وعلى الدبلوماسي أن ينصت للآخرين أكثر من الحديث إليهم. وأن يكون بمثابة السمع والبصر واللسان لدولته في إطار الدفاع عن مواقفها والاهتمام بشؤون رعايا بلاده في الخارج وتوفير الحماية لهم ومساعدتهم بكافة الامكانيات والوسائل. وعلى الدبلوماسي أن يتفهم عادات وتقاليد وقيم الشعوب الأخرى ويتفادى توجيه النقد للآخرين فكل مجتمع له خصوصياته وعاداته وتقاليده التي يجب أن يحترمها وإن كنا لا نتقبلها. @ ما هي نصيحتكم لمن يعملون في الأقسام القنصلية في الخارج؟ - إن العاملين في الأقسام القنصلية في الخارج يتحملون عبئاً كبيراً لأنهم هم واجهة الدولة أمام مواطني وجمهور البلد المضيف ويجب أن نمنح هؤلاء حوافز خاصة ليقوموا بعملهم على أكمل وجه من حيث الاهتمام برعايا المملكة في الخارج ومساعدتهم في التغلب على المشاكل التي تواجههم. ومن خلال اتصال الموظف القنصلي مباشرة بالجمهور في البلد المضيف يعتبر هو الواجهة لبلاده وما يقوم به من تصرفات يعكس ثقافة وحضارة بلاده أمام الآخرين تماماً كما أن موظف الجوازات والجمارك في مداخل المملكة يتحمل مسؤولية حسن تعاملة مع الزائر والمعتمر والحاج. فحسن التعامل واحترام وتقدير هؤلاء يعكس صورة جميلة عن المملكة سوف لن تمحي بسهولة من ذهن الزائرين للمملكة، وهذا يختصر علينا الطريق وله تأثره الكبير وأفضل من توزيع آلاف الكتب وإلقاء عشرات المحاضرات. @ لاحظنا أثناء تواجدكم في كندا سفيراً لخادم الحرمين الشريفين هناك وأيضاً في تركيا إصداركم تصريحات قوية وشديدة اللهجة تجاه بعض القضايا. وبعض هذه التصريحات نقلتها صحيفة الرياض. فهل يتطلب ذلك التشاور مسبقاً مع الجهات المختصة في المملكة؟ - أعتقد أنه عندما يفهم الدبلوماسي سياسة بلاده ومواقفها تجاه مختلف القضايا فلا يحتاج إلى الرجوع إلى مرجعه للتشاور عدا في بعض الأمور التي تتطلب المزيد من التوضيح قبل إصدار أي تصريح. فعندما تكون لدى الدبلوماسي الخبرة والمتابعة للأوضاع داخل بلاده عن كثب واللغة التي بإمكانه أن يعبر بها لتوضيح مواقف بلاده وإيصال الرسالة التي يرغبها لوسائل الإعلام، فليست هناك حاجة للتشاور وأخذ الموافقة المسبقة. ولا أخفي عليك أن عملي مع معالي الدكتور غازي القصيبي لسبع سنوات كنائب له عندما كان معاليه سفيراً لخادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة أكسبني الكثير من التجارب والخبرة في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام والتصدي لها عندما تتعرض هذه الوسائل للمملكة والقضايا العربية والإسلامية. وأود أن أنوه هنا أيضاً بأنني كسفير لخادم الحرمين الشريفين في أكثر من موقع فقد كنت أتمتع بهامش كبير من الحرية في إبداء آرائي الشخصية والرسمية والتصدي لوسائل الإعلام المناوئة للمملكة والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية دون الرجوع إلى مرجعي وهو هامش حرية لايتوفر لدى الكثير من السفراء الذين يمثلون دول المنطقة في الخارج ودول أخرى خارج المنطقة وهو أمر أفخر وأعتز به. ولايسعني وأنا أختتم مقابلتي هذه معكم إلا أن أشيد بما لقيته من تفهم وتوجيهات بناءة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الذي حتى عندما أتجاوز بعض الخطوط الحمراء في تصريحاتي لايتردد في توجيه عتاب ودي ونصيحة أخوية مع تقدير وثناء من سموه لحماسي في الدفاع عن سياسة المملكة وقضايانا العربية والإسلامية. @ لحظة. قبل أن نختتم هذه المقابلة. هل تفكرون في تأليف كتاب حول خبرتكم الدبلوماسية الطويلة؟ - نعم أنا أعمل وأخطط لكتابة مذكراتي كدبلوماسي وسفير متنقل لبلادي في عدد من الدول والقارات. وسأبدأ في كتابتها بعد أشهر - إن شاء الله - وستتضمن مواقف طريفة كثيرة واجهتها انطلاقاً من اختلاف الثقافات للدول التي عملتُ فيها وكذلك مواقف محرجة نتيجة لجهلي بعادات وتقاليد بعض الدول المضيفة. وسيعكس الكتاب سياسات مختلف الدول ومواقفها تجاه المملكة وقضاياها وكيفية تعامل المملكة مع هذه المواقف وهو تعامل يتميز بالحكمة والاعتدال والاتزان. وهدفي الأساسي من كتابة مذكراتي هو أن يستفيد منها زملائي الدبلوماسيون بالذات والدبلوماسيون العرب عموماً. وأتمنى ان أوفق في ان يستفيد القارئ مما سأعرضه من تجارب وخبرات في عدد من المواقع. وأنا الآن اقرأ مذكرات عدد من السفراء العرب وغير العرب للاستفادة من تجاربهم في كتابة المذكرات وتفادي ما أراه غير مناسب منها.