يتردد كثيراً أن التضخم ظاهرة عالمية، وهي ظاهرة لا يمكن إنكارها، ولكن لماذا ترتفع الأسعار في شهر رمضان المبارك بمعدلات تفوق المعدلات العالمية للتضخم؟ من الأسباب أن التضخم الفعلي يُحدِث لدى المستهلكين توقعات وتخوفاً غير عقلاني من ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ، مما يؤدي إلى شراء كميات كبيرة في وقت واحد لاعتقاد المستهلك بأن الأسعار سترتفع فجأة، وهي ظاهرة تغذيها الشائعات في ظل غياب المعلومات الصحيحة والثقة بالمستقبل، لكن حين تتعدى الحدود العقلانية تصبح ظاهرة عالية الضرر فيما يعرف في علم الاقتصاد بشراء الهلع panic buying يُضاف إلى ذلك أثر الغريزة التجميعية hoarding لدى الإنسان، وهي تظهر بشكل أوضح في موسم رمضان، وهي ظاهرة ليس لها علاقة كبيرة بالعوامل الخارجية بل تأتي استجابة لرغبة نفسية يغذيها الجوع وعدم الثقة في توفر الغذاء بشكل كاف لدى الحاجة إليه، والحاجة إلى التسوق خلال ساعات محددة، عادة ما تسبق الإفطار. ومما يخلق جواً من التساهل تصور التجار بضعف الرقابة على الأسعار خلال شهر رمضان، حيث يظنون بأن الجهات المسؤولة تتوقع وتتقبل زيادة في الأسعار خلال شهر رمضان، وأن موظفي الرقابة قد لا يستطيعون أداء مهامهم على الوجه المطلوب خلال الظروف الصعبة في نهار رمضان. كل هذه الظروف توفر بيئة مواتية تماماً لارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان. فهل هناك حلول تساعد على التعامل مع هذه الظاهرة؟ وبالطبع فإن من الصعب حل المشكلة تماماً، إلا أن بعض هذه الحلول يمكن أن تخفف من آثارها خلال شهر رمضان: 1- توفير قنوات بديلة للاستيراد خلال شهر رمضان يتم من خلالها استيراد السلع الرئيسية مباشرة وتوفيرها بسعر التكلفة لتجار التجزئة - أو للجمعيات الخيرية - لإيجاد منافس للتجار الذين قد يقومون بتقليص المعروض أو المغالاة في الأسعار. 2- زيادة المنافسة بين التجار عن طريق نشر مقارنات الأسعار، ويُعتبر مؤشر الأسعار الذي تم تبنيه من قبل أمانة مدينة الرياض خطوة جيدة يُستحسن تعميمها ليشمل المؤشر جميع السلع الرمضانية، وعدداً أكبر من محلات البيع، وأن تشمل أسعار الجملة والتجزئة وليس التجزئة فقط. 3- زيادة الرقابة على الأسعار للتأكد من تقيد المتاجر بالأسعار المعلنة والمضمنة في مؤشر الأسعار. 4- تشديد الرقابة النوعية، للتأكد من عدم طرح سلع مغشوشة أو منتهية الصلاحية. 5- مضاعفة نشاط جمعية المستهلك، وتشجيع جميع الطرق الملائمة للاستفادة من إمكانيات الإنترنت لنشر الوعي الاستهلاكي، بما في ذلك الاقتصاد وعدم التبذير أو شراء كميات أكبر من الحاجة من السلع، ومراقبة الأسعار ومقارنتها قبل الإقدام على الشراء. 6- توفير المواد الرمضانية الأساسية للأسر الفقيرة مجاناً أو بأسعار رمزية من خلال الجمعيات الخيرية، ومن شأن ذلك أن يخفف العبء عليهم من جهة، ومن ناحية أخرى يوفر قناة للشراء بكميات اقتصادية من قبل محترفين يستطيعون التفاوض على أسعار عادلة مع الموردين والمنتجين.