في ما يعكس اتساع رقعة تأثير ارتفاع الأسعار عالميا، قفز معدل التضخم في الولاياتالمتحدة في شهر يوليو الماضي إلى أعلى نسبة له منذ 71سنة. وسجل الارتفاع في أسعار العديد من السلع والخدمات في الولاياتالمتحدة مستويات غير مسبوقة في الشهر ذاته. ولم يقتصر هذا الارتفاع على أسعار منتجات الطاقة بل تعداه إلى أسعار الغذاء والملابس والفنادق وتذاكر السفر وغير ذلك. وقال تقرير لوزارة العمل الأميركية إن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 0.8بالمئة في يوليو المنصرم، وهي نسبة بلغت ضعف النسبة التي توقعها سوق وول ستريت لهذا الشهر. وكان هذا الارتفاع هو الارتفاع الشهري الثالث على التوالي في أسعار السلع والخدمات في الولاياتالمتحدة. ويعني هذا الارتفاع الشهري أن معدل التضخم في الولاياتالمتحدة سيبلغ نسبة 5.6بالمئة، وهي النسبة الأعلى التي يسجلها مؤشر التضخم الأميركي منذ العام 1991حين كان الاقتصاد الأميركي عمليا يمر بمرحلة من الكساد. والمفارقة أن تلك السنة كانت السنة الأخيرة من حكم الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، وهو الذي خسر الانتخابات الأميركية أمام المرشح الديمقراطي حينئذ بيل كلينتون بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية. وأشار التقرير الحكومي الأميركي إلى أن الشركات الأميركية، التي تكابد منذ مطلع العام بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام والوقود، بدأت بصورة متزايدة بتمرير هذه الارتفاعات إلى مستهلكي منتجاتها وخدماتها على صورة رفع أسعار هذه المنتجات والخدمات بصورة فورية تقريبا. ولاحظ التقرير أن الشركات الأميركية في كل القطاعات تقريبا رفعت أسعارها - ما عدا السيارات الكبيرة المحركات التي سجلت أسعارها انخفاضا في الأسواق الأميركية بسبب عدم إقبال المستهلكين على شرائها نتيجة ارتفاع أسعار الوقود. فعلى سبيل المثال، رفعت شركة المنتجات الغذائية "جي أم سماكر" أسعار منتجات بسيطة مثل مربى الفواكه، فيما رفعت شركات مثل "بروكتر أند غامبل" أسعار منتجات مثل مساحيق الغسيل والأغذية وشفرات الحلاقة. غير أن ما أكده الخبراء الاقتصاديون هو أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم هذا لن يغير من موقف مجلس الاحتياط الفدرالي بالنسبة إلى مواصلته تخفيض أسعار الفائدة كوسيلة لضخ المال في أعصاب الاقتصاد الأميركي وإبقائه بعيدا عن كساد حقيقي. وقال رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي بن برنانكي في جلسة استماع في الكونغرس الشهر الماضي إن المجلس يتوقع أن "يصعد التضخم بصورة مؤقتة في الأشهر القادمة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وهي المادة التي تدخل في صناعة وتوصيل كل السلع والخدمات تقريبا". وأشار التقرير الحكومي الأميركي إلى أن التضخم "الأساسي"، أي باستثناء أسعار الطاقة والغذاء، قد ارتفع بنسبة 0.3بالمئة في الشهر الماضي بالنسبة إلى شهر يونيو الذي سبقه، وبنسبة 2.5عن العام الماضي. يذكر أن مجلس الاحتياط الفدرالي حدد لنفسه نسبة ارتفاع في التضخم هي 2بالمئة فقط، ولكنه مع ذلك يقاوم رفع أسعار الفائدة بسبب دواعي قلقه الأوسع حيال وضع الاقتصاد الأميركي بصورة عامة. وبصورة مفصلة، كان ارتفاع السلع الأساسية كالتالي في الشهر الماضي في الولاياتالمتحدة: البنزين: 4.1بالمئة، الغاز الطبيعي: 7.4بالمئة، الكهرباء: 2.5بالمئة، الأغذية: 0.9بالمئة. ولكن ما أثار قلق المراقبين الاقتصاديين هو الارتفاع في سلع وخدمات أخرى مثل أسعار غرف الفنادق التي ارتفعت بنسبة 0.7بالمئة وأسعار التعليم والخدمات التلفونية والسجائر وتذاكر السفر أيضا. وعلى ضوء هذا التقرير وتقارير حكومية أخرى، فإن المراقبين الاقتصاديين يرون أن هذه الارتفاعات في الأسعار وما يصاحبها من تباطؤ في نمو الاقتصاد الأميركي أخذت تترك آثارا سلبية جدا على الكثير من المواطنين الأميركيين الذين يتحسسون بصورة شديدة لسعة هذه الارتفاعات. وقد لاحظ أحد التقارير إلى أن قوة الأميركيين الشرائية قد تضاءلت في شهر يوليو الماضي بنسبة 3.1بالمئة، وهو ما مثل أكبر انخفاض في هذا المؤشر منذ العام