رغم أن النظام الامريكي في بعده الخارجي نظام متوحش يمارس الكولونيزم المغلفة (الاستعمار مخفي- باين) الا أنه توجد في بعده الداخلي خاصة الاداري العديد من المزايا التي يمكن الاستفادة منها!! على سبيل المثال، طريقة التعامل مع "معالي الوزير"!! في النظام الامريكي شيقة للغاية حيث يكون منصب الوزير بمثابة منصب شرفي ويبقى "هيكل" الوزارة راسخا ويعمل بغض النظر عن الاسماء وشخص الوزير بقي أم ذهب!! ثم أن الوزير لديهم يسمى "سكرتيرا" يعمل في كنف الادارة "سادة" بدون فخامة وبدون معالي وبدون القاب نخبوية!! فهو أو هي هناك ليخدم الشعب والدولة ولا يحتل منصبا فخريا مطرزا بالمصطلحات الفارغة من مقاييس الجودة أو الكفاءة!! والاهم من كل ذلك أن الوزير في النظام الاداري الامريكي لا يعمر في منصبه حتى يمل وتمل منه الكراسي ولكن يخدم لفترة محددة ويسلم الدفة للدماء الجديدة!! لدينا الوضع مختلف!! اولا، ينظر الى الوزير على أنه "روح" الوزراة ودماؤها التي تجرى في الشرايين (فهو الكل في الكل) وعندما يتغير أو ينتقل تدخل الوزارة في مرحلة "تشتت هيكلي" وقد تمر فترة زمنية لزوم تدوير العجلة واعادة الهيكلة للتكيف مع طقوس الوزير الجديد وطوي ممارسات وتقاليد الوزير القديم!! وعادة عندما ينتقل الوزير الى مكان آخر ينقل "جسم" الوزارة معه حيث تبدأ الوزارة القديمة رحلة التأسيس من جديد وكأنك يا غازي ما غزيت!! وتتعاظم المشكلة اذا كانت الوزارة ذات بعد فني/ تقني حيث تنتقل الطواقم المهنية المتخصصة مع وزيرها ويتم تجريد وزارة كاملة من الخبرات المتراكمة والتعلم الطويل الذي يبني الطريقة الاساسية لاداء العمل عبر الزمن فتكون الوزارة، كالرضيعه التي فقدت أمها، تتعلم الادارة من جديد!! ويرافق كل ذلك انفاق خرافي للحاق والتكيف مع الوضع الجديد وكلها أمور لا تحتمل. الامر الثاني يشكل ملاحظة بروتوكولية وكم اتمنى أن يوجد من يكسر عظام البروتوكول ويطحنها دقيقا ينثره على شوك ثم يقول لقوم حفاة في يوم ريح أجمعوه!! الوزير يسمونه في أمريكا "سكرتير" وفي المانيا يسمون من هو أكبر منه "مستشار" وفي اليابان يقيمون النتائج وليس الأسماء. ونحن ورثنا مصطلحات "الباشا" و"المعالي" و"سعادة" من المدرسة البيروقراطية المصرية ولم تنفعنا الالقاب والمصطلحات المميزة ولم تنفعهم!! من الملاحظ أنه تفوح رائحة الطبقية الادارية من اضفاء الالقاب على المناصب وهي تغرس عقلية "التراتبية" التي لا تمَكن المجتهد من البروز أو ابداء رأيه اذا كان لقبه أصغر من لقب ذلك المدير الضخم غير المجتهد!! كما أن الفخامة في الأسماء قد لا تتناسب مع متطلبات العمل الحقيقي والإنجاز المطلوب التي هي متطلبات "عملية" وليست فخرية أو شوفينية!! ونأتي الى مسألة التعمير!! أن يبقى الوزير ما بقي "عسيب" حتى لو تزلزت الوزارة وتعاقبت الازمات وفاحت الفضائح يمنة ويسرة بعضها من فوق الارض وبعضها من تحت الطاولات!! يبدو أن هذا "تقليد" شرقي أصيل ينبع من ربط المسئول في الكرسي بحبال مجاملات لا تنقطع فيصبح المسئول غير مسئول وغير قابل للمناقشة وغير قابل للتداول وتصبح الوزارة بمثابة ذلك "البرج العاجي" الذي لا يصل إليه الناس ولا تصل إلى مسامعه معاناة الناس!! ومن الواضح أن هذه الطريقة توجد الشعور ب "ملكية" خاصة للوزراة ليس لدى صاحب المعالي ولكن حتى لدي مدير مكتبه بما بالك بسعادة الوكيل!! حيث بناء على تملك الوزارة يتم لا شعورياً "شخصنة" عمل الوزارة وانجازاتها ومشاكلها لذلك عندما تقع الازمات وتتعالى الانتقادات يتم تحويلها كلها الى لزمة "الاحقاد الشخصية" و"كلام الغيورين" وتدور العجلة في تكرار للاخطاء وربما التجاوزات وكما قيل في علم الادارة"!!"