صدرت قرارات مجلس الوزراء مؤخراً لدعم الزراعة والاستثمارات الزراعية السعودية في الخارج من أجل ضمان الأمن الغذائي لمواطن هذا البلد. ولن أخوض في تفاصيل هذه القرارات الهامة التي أمل أن يتم في تفعيلها الرفاهية لمواطني هذا البلد ولكنني أقول: لقد عاش أبناء هذا الوطن منذ مئات السنين على الرعي والزراعة، بحيث قسم مواطنو هذا البلد إلى بادية تعيش على الرعي والتنقل في سبيل ذلك، وحاضرة تعتمد على الزراعة والتجارة وشيء من الصناعة، ولكن الحال تغير مع توحيد البلاد على يد المغفور له بمشيئة الله الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي وطن البادية ووضع البنية الأساسية للتنمية الوطنية، حيث أصبح القطاعين العام والخاص هما ركيزتا العيش لمواطني المملكة العربية السعودية. فتحولت الزراعة والرعي إلى عمل منظم يقومان على استخدام التقنية الحديثة في الحراثة والري والحصاد والبيوت المحمية وعنابر الدواجن وحظائر الحيوانات والزراعة السمكية المركزة والألبان والبيض. وما تبع ذلك من صناعة للمنتجات الزراعية، حيث تحولت الزراعة من إنتاج وتربية للأغنام كمصدر رزق وعيش إلى صناعة وتجارة وتشغيل للآلات والأيدي العاملة السعودية وغير السعودية. وفي هذا البلد الصحراوي الذي تشح فيه كمية الأمطار مع الاعتماد على المياه الجوفية للامداد المدني والصناعي والزراعي والترفيهي، كان لا بد من ترشيد استخدام واستغلال المياه. وفي الجانب الآخر نجد أن الدولة - رعاها الله - تحرص على الأمن الغذائي للمواطنين وتوفير جميع السلع الغذائية بأسعار مناسبة. ومن أجل ذلك تم الاستثمار بآلاف الملايين في المشاريع الزراعية النباتية والحيوانية والسمكية والألبان، بحيث أصبح لدينا أكبر مشروع موحد في العالم لإنتاج الألبان ومشاريع أخرى عملاقة في إنتاج الحبوب والخضار والنخيل والزيتون وغيرها، إضافة إلى إنتاج الأسماك والربيان. ووصلنا إلى الأهم وهو توطين التقنية، بحيث أصبحنا من المصنعين والمصدرين للمضخات وأجهزة الري المحورية والري بالتنقيط والأسمدة والمبيدات والزراعة النسيجية وغيرها من التقنيات والمواد الزراعية الحديثة. وفي الجانب الثالث أصبحت سلامة الغذاء من الأهمية بمكان، لضمان وصول الغذاء السليم الخالي من آثار المبيدات والأسمدة الكيمائية والهرمونات. وعليه نجد أن وزارة الزراعة تقع في توازن بين ثلاثة محاور مهمة تتمثل في: - تحقيق الأمن المائي. - تحقيق الأمن الغذائي. - السلامة الغذائية. أولاً: الأمن المائي أصبحت المياه هاجساً عالمياً يهم جميع دول العالم مع التغيرات المناخية خاصة مع ظهور ظاهرة الاحتباس الحراري، وفي ظروفنا الصحراوية فإننا بأمس الحاجة ليكون الأمن المائي هم يعيش معنا ليلاً ونهاراً. فتقدر كمية المياه الأمطار الساقطة على المملكة العربية السعودية في المتوسط بأقل من 100ملم. وبإشارة إلى مساحة المملكة العربية السعودية، نجد أن الكمية الكلية للمياه الساقطة على المملكة العربية السعودية أكثر من 150بليون متر مكعب من المياه سنوياً. ونتساءل هل هذا الرقم صحيح؟ وهل يمكن الاستفادة من هذه الكمية من المياه؟ بالطبع لا، حيث يتبخر جزء كبير منها وينصرف جزء آخر إلى البحر وغير ذلك، إذا ما هي الكمية التي يمكن الاستفادة منها سواء مباشرة أو عبر التخزين في الأحواض الجوفية بنظام التسرب العادي أو باستخدام تقنية التسرب القصري والمتمثلة في مشروع الملك فهد لحصد مياه الأمطار. وللاسف، لا توجد دراسات دقيقة تقدر كمية المياه المفقودة في البخر أو المتسربة إلى البحر. وبالتحديد كم هي الكمية التي تخزن في الخزانات الجوفية ومواقع مراكز التخزين. وهنا تكمن أهمية المعلومة ودقتها. من هذه المعلومة، يمكن تحديد مقدار الاستفادة من هذه المياه المتجددة. أن الاستثمار في الدراسات التي تحدد كمية المياه الساقطة والمتبخرة والمتسربة إلى البحر بدقة عبر الدراسات الحاسوبية (simulation) ومقارنتها بالواقع لتحديد نسبة الاختلاف، ومعرفة مراكز التخزين وكمياتها من الأهمية بمكان. حيث يترتب عليها إعادة توجه الزراعة في المملكة العربية السعودية كماً ونوعاً ومكاناً مع الاستفادة من نظام الزراعة الدقيقة (Precision framing) في تعظيم الإنتاج وتقليل الاستهلاك المائي. ثانياً: الأمن الغذائي يزيد عدد سكان المملكة العربية السعودية عن 23مليون نسمة، هذا العدد ليس بالكثافة السكانية العالية بالنسبة إلى المساحة. حيث تقدر نسبة المواطنين إلى الأرض بحوالي 11.5مواطن لكل كيلومتر مربع. ويعتمد المواطن السعودي في الغالب على الأرز كسلعة رئيسية، ومن ثم الحبوب والخضار والفواكه. والرز بطبيعة الحال لا يمكن إنتاجه بالمملكة العربية السعودية في الظروف الطبيعية لاحتياجاته المائية العالية، وتتركز منتجات الحبوب في القمح والذرة والشعير وغيرها. وهذه المنتجات موسمية الإنتاج حيث لا تزيد فترة نموها عن 150يوم في السنة. وتتوسع المملكة في إنتاج التمور وقليل من الفواكه الخاصة الشبه استوائية في منطقة جازان. أما الخضروات فتركز على الزراعة المكشوفة والزراعة في البيوت المحمية، وتنفق المملكة عشرات الملايين لدعم منتجات الأعلاف لسد احتياج المملكة من اللحوم البيضاء والحمراء والبيض والألبان. ودعمت العديد من المشاريع لإنتاج الأسماك في المياه العذبة والمياه المالحة. والحقيقة التي يجب أن ننظر إليها بوضوح هي: 1- كم الاحتياجات الغذائية للمواطنين والمقيمين على هذا البلد من جميع المواد الغذائية التي يفضل إنتاجها في المملكة لتحقق الأمن الغذائي. 2- ما هو السعر المناسب لهذه المنتجات وفق لمتوسط دخل الفرد السعودي. 3- ما هو السعر المناسب وفق لمعدلات الاستهلاك المائي. 4- ما هي المنتجات الأنسب للزراعة في المملكة العربية السعودية، والطرق المثلى للإنتاج. فعلى سبيل المثال ما هي كمية الإنتاج المناسبة من الطماطم على مدار العام؟ وما هو السعر المناسب للدخل؟ وما هو السعر وفق لمعدلات الاستهلاك المائي من الطماطم وهل يستمر في زراعتها بالطريقة التقليدية أو تركز الزراعة في البيوت المحمية فقط. لدينا في هذا المجتمع الكريم، ظواهر استهلاكية غير محبذة، فنجد أن مشترياتنا من الخضار والفواكه يتم تقديرها بالكرتون وليس بالوحدات العلمية مثل الكيلوجرام. ويلاحظ انه يتم التخلص من كمية كبيرة من مشترياتنا لتلفها في وحدات التخزين. وقد بينت الدراسات أن الفاقد في المحاصيل الزراعية وخاصة الورقية يزيد عن 35%. والحاجة ماسة لتثقيف المجتمع في تحديد احتياجاته بدقة من الخضار والفواكه خاصة. وعند الرغبة في تحديد كمية الإنتاج من قبل وزارة الزراعة، فيجب الاستعانة بخبراء التغذية لتحديد الاحتياجات اليومية في المتوسط. @ عميد كلية حريملاء أستاذ هندسة الآلات الزراعية