تناولنا في هذه الزاوية موضوع (الصيف والسفر)، وذكرنا فيه نصائح الوزارات والجهات الحكومية في الدول الخليجية لمواطنيها الذين يرغبون بالسفر إلى الخارج في فترة الإجازات الصيفية، وتلقينا تفاعل العديد من القراء معها، ومن بينها رسالة وردتنا هي عبارة عن قصة قوية وتتضمن فكرة علمية لها علاقة بموضوع السفر نذكرها، كما وردتنا من السيد (جفال): احتل جفال مقعده في الطائرة التي ستقله من ألمانيا إلى اليونان، وقبل إغلاق باب الطائرة بدقيقة واحدة وصلت سيدة أوروبية في العقد السادس من عمرها وجلست في المقعد المجاور وتبادلا تحية يغلب عليها طابع المجاملة الخجولة. وبعد إقلاع الطائرة بدقائق انتابت السيد جفال نوبة سعال جاف يقترب من الاختناق. اضطربت السيدة الوقورة ونادت المضيفة لإسعاف جارها وبعد أن هدأ الموقف استفسرت السيدة عما أصابه فأخبرها بأن قنينة دوائه السائل صودرت في المطار بسبب منع اصطحاب السوائل إلى الطائرة حماية من الإرهاب. ابتسمت السيدة بسخرية وطلبت الإذن لتروي حقيقة هذه الفرية التي اصطنعتها المخابرات (الأمريكية - البريطانية). وبدأت القول إنها تعلم حقيقة الموضوع كونها انكليزية متقاعدة من وظيفة بروفيسورة الكيمياء في إحدى الجامعات البريطانية، وسألته إن كان لا يمانع من بعض التفاصيل العلمية، فأخبرها أنه أيضاً مدرس كيميائي متقاعد من وظيفة التدريس وسيفهم الأمور الكيميائية رغم كونه غير مطلع على علم وتكنولوجيا المتفجرات. قالت السيدة: في صيف عام 2006أعلنت وسائل الإعلام المخابراتية اكتشاف خلية إرهابية إسلامية تخطط لنسف طائرات فوق المحيط الأطلسي في طريقها من بريطانيا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وذلك باستخدام متفجرات تصنع في مرحاض الطائرة من سائلين يحملهما الإرهابي معه إلى الطائرة علماً بأن كل سائل بمفرده مادة غير متفجرة. قررت حكومتا بريطانيا والولاياتالمتحدة فوراً منع اصطحاب مسافر الطائرة أي سائل تزيد كميته على قدر محدد، وتبعتها دول العالم الأخرى سواء عن قناعة أو خوفاً من منع طائراتها من التحليق في أجواء البلدان الملتزمة بقرار المنع، ولم تتطرق وسائل الإعلام إلى تفاصيل صنع المتفجر بل اكتفت بالخبر ضمن قناعة موجهها بضرورة ترهيب الناس. لا يمكن للعلماء تصديق خبر كهذا دون التحقق من دقته العلمية، وبعد البحث والتحري وجدوا أن مروجي الفرية ادعوا أن العملية الإرهابية تستند إلى نقل سائل الأسيتون (وهو مركب عضوي يستخدم من قبل السيدات لإزالة طلاء الأظافر) وسائل بيروكسيد الهيدروجين (وهو سائل لاعضوي يستخدم كقاصر ومعقم) ثم يذهب الإرهابي إلى مرحاض الطائرة فيمزجهما ثم يضيف حامض الكبريتيك ليصنع مركب (ثلاثي أسيتون ثلاثي البيروكسيد TATP) وهي مادة متفجرة يستخدمها لتفجير الطائرة وقتل جميع ركابها الأبرياء. إنني أقول وبقناعة راسخة، وأضع مكانتي العلمية على المحك بما أصرح به، وهو استحالة تصنيع مادة TATP المتفجرة في مرحاض الطائرة نظراً لأن التصنيع يتطلب إضافة حامض الكبريتيك، إلى مزيج الأسيتون والبيروكسيد قطرة فقطرة، مع الرج والتبريد إلى درجة الصفر المئوي وباستمرار مع ضرورة سحب الأبخرة المتولدة ومن ثم فصل المادة الصلبة بالترشيح علماً بأن اكتمال التصنيع ضمن هذه الشروط القاسية يحتاج إلى 24ساعة عمل من قبل كيميائي متمرس. وعلى الرغم من استحالة تنفيذ هكذا عمل يستمرالمسؤولون بمصادرة سوائل المسافرين بالطائرات ويشمل ذلك الماء وأغذية الأطفال الرضع ومعجون الأسنان وحتى أحمر الشفاه وكذلك الأدوية مثل دواء السعال وغيرها الكثير. بعد كل ما أخبرتك به يا سيد جفال ألا تعتقد أن الأمر يدخل ضمن نظرية إرهاب الناس وليس حمايتهم. قال جفال: يا سيدتي إنني مقتنع بالوصف العملي الذي تفضلت به ولكن لماذا لم ينشر ذلك ويوضح لعموم الناس وللمسافرين تحديداً؟ قالت: سأعطيك حين نصل إلى المطار قائمة بالمقالات التي نشرت من قبل العلماء ويمكنك الاقتباس منها إن كان صوتك مسموعاً في منطقتك ولكن يا أخي ألا تعلم أن (كلمة باطل من ظالم أعلى من كلمة حق من عالم)! وإن من المحزن حقاً أن تهبط منظومة المخابرات البريطانية - الأمريكية إلى الدرك الأسفل من الكذب والخداع والعداء للمسلمين المسالمين ولا بد أن أقول لك بأنني مسيحية ملتزمة ومتنورة واقول إن الكذب هو أسلوب المحافظين الجدد وأصحاب وثيقة القرن الأمريكي الجديد، حيث التقت تطلعاتهم بالسيطرة على العالم مع تلمود اليهود وأهداف الصهيونية العالمية، ولكن لماذا التركيز على المسلمين ونعتهم بالإرهاب؟ أقول لك إن ذلك يسهل تهويله وإقناع مواطنيهم به لا سيما بعد أحداث 11سبتمبر المأساوية فسعوا إلى تخويف العالم متناسين أنهم أكثر الناس تطرفاً في آرائهم وتصرفاتهم المدعومة بجبروت القوة العسكرية الغاشمة والتحكم باقتصاد العالم. وأرادت العالمة الوقورة إبراز العديد من العواطف الجياشة ولكن إعلان قبطان الطائرة قرب الهبوط إلى المطار باليونان جعلها تهدئ من غضبها، وتقول ما نفتقده نحن العلماء هو حرية التعبير بعيداً عن سيطرة المال والسلاح. شكر جفال العالمة على اهتمامها بالانسان مهما كانت ديانته أو قوميته وأخبرها أنه سيسعى إلى نشرها في بلاد العرب المبتلين بالتخلف والخوف من جبروت الغرب. وبعد اكتمال إجراءات المطار سلمته قائمة بالمقالات العلمية حول الموضوع. ونحن بدورنا نشكر (جفال) وغيرته على وطنه وأمته..ونتمنى لكم سفراً سعيدا وعوداً حميداً.. @ المدير الإقليمي لمكتب دبي