ارتفع عدد قتلى قوات البعثة الأممية الأفريقية بإقليم دارفور (يوناميد) إلى 62قتيلا، بعد العثور قبل أيام على ضابط أوغندي مقتولا داخل سيارته بالفاشر، إضافة إلى أن مقتل هذا العدد أمر مؤسف ومحزن، إلا أنه يعتبر مؤشرا لقياس مدى قدرات هذه القوات التي بدأت مهمتها المتعثرة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ثم انتقلت إلى بعثة أممية أفريقية مشتركة بناء على اتفاق أبرمته الحكومة مع الاممالمتحدة بعد القرار (1769) الصادر عن مجلس الأمن. ووقعت حادثة مقتل الضابط الأوغندي قبل يوم واحد من احتفال نظمته البعثة في الفاشر بمناسبة اليوم العالمي لقوات حفظ السلام المنتشرة في العديد من مناطق النزاعات وبؤر الصراع في العالم، وأقيم في الاحتفال حداد على أرواح 61من جنود البعثة ماتوا في دارفور. وعلى الرغم من ان الاحتفال الذي غاب عنه الممثل الخاص المشترك بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، رئيس البعثة المختلطة ادولف ادادا، خيمت عليه حالة من الحزن على قتلى القوات، والتشاؤم من مستقبل العملية برمتها في ظل الأوضاع الامنية والسياسية في الاقليم، إلا أنه أظهر ايضا مدى ضيق قيادات القوة الهجين من تلكؤ المانحين في تمويل العملية، وأشتكى إثنين من كبار قادة القوة من نقص كبير في المال والعتاد والعدد. ومعروف أن عملية البعثة المشتركة لحفظ السلام في دارفور تحتاج إلى 26ألف جندي يجب ان يكتمل نشرها خلال هذا العام، بيد ان عدد القوات لم يتجاوز حتى الآن نحو تسعة آلاف جندي، من بينهم 7.600جندي و 1700من الشرطة المدنية، فيما يتوقع وصول كتيبتين من مصر وإثيوبيا في غضون شهرين. ومقرر ان تتألف القوة من حوالي 19ألف جندي و 360بين مراقبين عسكريين وضباط اتصال، يضاف إليهم ستة آلاف و 432من الشرطة المدنية. وتبلغ كلفة القوات خلال السنة الأولى من وجودها أكثر من ملياري دولار. والقوة المشتركة هي أكبر قوة سلام في العالم. وخلال الاحتفال الذي شهده عدد كبير من سفراء الدول بالخرطوم، اتفق معظم المتحدثين في الحفل، على ان القوة التي تعمل في حفظ السلام بدارفور الآن، في حاجة ماسة وعاجلة إلى الدعم من قبل المانحين، ومعظمهم كانوا حضوراً في الاحتفال. وقال نائب الممثل المشترك للبعثة الجنرال هنري انيدوهو في مؤتمر صحفي مشترك عقد بعد الاحتفال بمقر البعثة في الفاشر، إن القوة الهجين تواجه صعوبات وتحديات كبيرة، مشيرا إلى أن القوات تواجه نقصا في المروحيات التي لم تلتزم بها غير إثيوبيا، لكنه أكد على أن البعثة تعمل بكل قدراتها لحفظ السلام، وأشار إلى وصول قوات اخرى من مصر واثيوبيا في نهاية شهر يونيو الجاري. ودعا انيدوهو إلى توفير التمويل اللازم لعملية السلام بدارفور، وقال "هذه ليست مسؤولية يوناميد بل مسؤولية المجتمع الدولي كافة". وتحتاج مهمة البعثة بوجه خاص بدارفور، إلى مركبات لنقل الجنود واجهزة رصد ومراقبة ليلية وقنابل مضيئة، ومصفحات، و 24مروحية من بينها ست مروحيات مقاتلة (توج تعهدات من إثيبوبيا).. وكانت الحكومة هنا قد عارضت مرارا هذه النقطة متحفظة على نوعية الطائرات وطالبت بأن لا يكون الطيارون من دول لا توافق عليها. كما يجب أن يتوفر للبعثة أيضا وحدات مدربة بشكل جيد للغاية لبعض المهام المحددة، وتلك موجودة بشكل أكبر في جيوش البلدان المتقدمة، التي تعترض الخرطوم على مشاركتها. وفي ظل الاوضاع الحالية، تبدو الامور في غاية الصعوبة لقيادة البعثة العسكرية، إذ حذر قائد القوات الهجين بدارفور الجنرال مارتن لوثر اوقاي خلال مؤتمر صحفي عقده بالفاشر مؤخراً، من تأثير نقص العتاد على مهام قواته، وشدد على أنه كمسؤول عن القوة الهجين لن يعرض جنوده للمخاطرة واقحامهمم في قتال دارفوري - دارفوري، وقال: لن اضع جنودي في خط النار، مؤكدا ان القوة ليس من مهامها القيام بعمليات للردع. وإلى جانب النقص الحاد التي تواجهه القوة في جانب العتاد والعدد، فإن التقديرات المالية للأمم المتحدة المتعلقة بتكلفة العملية الهجين البالغة للعام الأول بليون و 480مليون دولار، تشكل عقبة أخرى تضاف الى مثيلاتها التي تعترض العملية الهجين من حيث توفير هذه المبالغ وطرق صرفها في ظل عدم تحمس الدول المؤثرة للمساهمة في دعم العملية. من جهته، يعتبر الخبير العسكري العميد متقاعد محمد الأمين خليفة الوضع الان بالنسبة للقوة الهجين، بأنه حالة اشتباك معرفي بين ثلاثة اطراف هي؛ الحكومة والاممالمتحدة والدول المانحة، ويقول إن الحكومة من جهتها غير متعاونة مع المجتمع الدولي بعدم قبولها بقوات من دول بعينها، وتشدد على ان تكون القوات التي ستنضم إلى البعثة من دول إسلامية او عربية او أفريقية، فيما يرى الأمين أن القوى الدولية الكبرى المانحة غير راغبة في تمويل قوات لا تثق في قدراتها ولا تستطيع تحقيق فرق على الارض، بينما الاممالمتحدة لا حول لها ولا قوة دون دعم الدول الكبرى للعملية. ويخشى الخبير العسكري محمد الأمين خليفة في تصريح ل"الرياض" من أن يؤدي هذا الوضع إلى تدهور الاوضاع الامنية السيئة اصلا في دارفور، ويقول ان أبرز دليل على فشل البعثة في القيام بمهمتها الهجوم الذي شنه مسلحون من حركة العدل والمساواة على ام درمان قبل اسبوعين، الامر الذي يوضح ضعف القوة في الرصد والمتابعة، كما يشير الأمين إلى ملاحظة اخرى، حيث يمكن ان يؤدي تشكيل القوة في غالبيتها من القوات الافريقية إلى علاقة تعاطف مع الحركات المسلحة بالاقليم، ومساندتها مستقبلا. ويعتقد الخبير العسكري ان الحل في هذا السياق، هوتعاون الحكومة مع المجتمع الدولي لجهة القبول بقوات من دول اوروبية، أو أن يغض المانحون الطرف عن قدرات القوات المتوفرة للبعثة من الدول الأفريقية والعربية وتقديم التمويل والعتاد اللازمين لها. في غضون ذلك، يبدو ان الرسائل التي بعثت بها قيادات القوات الهجين عبر الاحتفال الذي اقيم الاسبوع الماضي بالفاشر، وصلت إلى سامعيها، حيث قرر وفد من مجلس الأمن الدولي زيارة السودان قريبا، ضمن عدد من دول القارة الأفريقية لبحث القضايا الملحة، وستكون قضية تمويل القوات الهجين في صدارة محادثات الوفد مع المسؤولين في الخرطوم، وحتى ظهور نتائج هذه الزيارة، فمن المحتمل أن تواجه القوات المختلطة في دارفور، مزيداً من المخاطر، يأمل المراقبون ان لا تزيد عدد الضحايا فوق ال 62قتيلاً.