عندما تذوب المجتمعات داخل دائرة أن كثيراً من أفرادها كلّ وصيّ على كله تدخل الأمور في دائرة الكارثية وتعيق هذه الوصاية حرية الشخص في اختياراته أو ماذا يريد؟ أو ماذا يفعل رغم ان هذه الحقوق طبيعية، ومصرح بها، ولا تتعارض مع القوانين، أو الانظمة، وتدخل في نطاق حريته الشخصية التي ينبغي احترامها وعدم تجاهلها. سأتطرق معكم لبعض الصور الاعتيادية التي نمارسها كل يوم ونرى انها حق من حقوقنا وانها أمور طبيعية ولا تخضع الشخص لسلطة القانون. ولكن قبل أن اطرح هذه الصور الهامشية والمعتادة، واليومية، اسأل: لماذا نحن شعب دائماً عيوننا طائرة في الآخرين، أو بمعنى آخر هوايتنا البصبصة على الآخر، النظر إلى الآخر، التدقيق فيه؟ لماذا هذه النشأة؟ وهذا السلوك المحاصر للآخرين والذي لا يخرج عن سوء الظن بالآخر وما ينبني عليه. ماهذا الفضول الذي يتلبس الناس نساءً ورجالاً وحتى الأطفال دون أي وقفة مع النفس بأن هذه ممارسة خاطئة، أو لا تليق بالمسلم أولاً؟ لماذا لا تتوقف عند اعتبارات أهمها أن هذا لا يجوز على الإطلاق؟ وأن هذه المضايقة التي تتعرض لها النساء احياناً لا تليق وتتعدى حدود المعقول. نساء يمشين على سور الممشى يتعرضن وهن في كامل الاحتشام للمعاكسات والفضول، والتعليقات السخيفة، وامتهان الكرامة من شباب فقدوا الاحساس بأن هذه المرأة قد تكون امهم أو أختهم أو بنتهم ذات يوم. قمة الوقاحة في التلفظ بألفاظ قاسية وسوقية دون مبرر، والمصيبة إن ردت المرأة دفاعاً عن نفسها ستجد ما هو أعنف وأوقح من التعدي والاتهام بالفجور وقلة الأدب، وعدم احترامها لنفسها، لأنها سمحت لها بالخروج لممارسة الرياضة التي لم تكن محرمة ذات يوم. آخرون يلوذون بالصمت، يتابعون الآخرين ايضاً بالنظرات، والتعليقات مع من معهم من هذا؟ من هذه؟ وش تشتغل؟ وش قلعتها؟ ويش يرجعون؟ ومنذ متى يأتون إلى هنا؟ انشغال بأمور عديدة لا تعني أي أحد منهم؟ ولا تلزم الآخر بالاعتناء بها. ولماذا نحاصر دائماً بكلمة أعتقد؟ أنا متأكد أن فلاناً كذا؟ وما حدود حرية كل منا نحو الآخر؟ وهل يحق لنا التدخل في شؤون من لا يعنينا؟ رجال يتوقفون بسياراتهم للمعاكسة، وسلوكيات لا تخرج عن نطاق الفضول والتجسس على الآخر. في الأسواق وما ادراك ما الأسواق كانت معي صديقة وقابلنا اخرى في مركز تجاري، ونحن نتسوق لاحظت انها تعلق كثيراً على ما يجري في السوق وتلاحظ كل شيء، وتسيء الظن بكل شيء، مر رجل ممسكاً بيد امرأة، فتحدت ان تكون زوجته لأن الزوج لا يمسك يد زوجته بل هي... فجأة لاحظت ان شخصاً ما يقف هناك تعاكسه امرأة ما وتؤشر له، طلبتُ منها ان تتحرك وإلا تركتها مع صديقتي، اجابت ان متعة السوق في هذه الملاحظة. شباب آخرون ورجال يتجولون دون مبرر، أو حتى رغبة في الشراء سوى المراقبة والفضول والاصطياد إن تيسر. نظام مرير وغريب ينشأ عليه الاطفال، فهذا طفل تقول إنه كان معها في السوق وفجأة قال لها: امي الحرمة التي كانت قاعدة هنا (علماً انها لا تعرفها) وكانت متغطية قامت وقام الرجل ذاك وراها.. أي رجل لا تعرف. نتخيل هذا الطفل قد بدأ مشوار المراقبة والمتابعة. رجل يكلم أحداً ما أو امرأة تكلم احداً ما وبطريقة هادئة ورقيقة دون أن تسمع منها ما يسيء، ربما في العمل، الاجابة الجاهزة، أن هذه المرأة أو الرجل من المؤكد ليس خالياً ولديه شيء ما. في السيارة وعندما تتوقف امام اشارة وبها نساء ولتلتفت احداهن فستجد العجب من خلال الرؤوس الممتدة للبحث عما بداخل السيارة من بشر أو حجر، حتى نساء وليس رجال فقط، الكل متعجب يريد أن يرى المستور والذي يختفي خلف الزجاج والمرأة أيضاً يعجبها هذا التخفي وهذا الالتباس فتمعن فيه، وان اعطت احياناً اشارة تكثيف الغموض. انها ديناميكية المد والجزر الفضولي، والتجسس الذي يسري في العروق. آخر الصور امرأة قابلتها منذ ايام قالت لي إن فلانة متزوجة مسيار، سألتها كيف عرفت وانا بالصدفة اكتب هذه السلسلة، قالت: ما أعرف شكيت في أن زوجها يأتيها فقط من العصر إلى بعد العشاء. وعندما سألتها: هل راقبتيه في العمارة، قالت نعم: أنا وزوجي نتبادل المراقبة، والحارس كلف بالمهمة، وجارتي الأخرى وزوجها ولكن المرأة رفضت الاعتراف أنه مسيار. المصيبة هنا: ماذا تعني هذه الفضولية كونه مسياراً، أو زواجاً متكاملاً؟ لماذا تقوم بهذه المهمة التي لا تعنيها؟ ولماذا يكثر الشك كما يقول احدهم حيث تقل المعرفة؟ (يتبع بعد غد)