قال لي مدير إدارة إنه يفضل إدارة العمل على إدارة العاملين، وبرر موقفه هذا بأن زيادة العاملين قد تؤدي إلى التراخي، والاتكالية، وتوفر وقت فراغ يؤثر سلباً في الإنتاجية. ولربط ما سبق بالواقع نلاحظ بسبب مركزية بعض الأجهزة أن القسم الصغير يتحول إلى إدارة، والإدارة تتحول إلى وكالة، ويكبر المبنى، ويزداد عدد الموظفين دون وجود مبررات مقنعة لتلك الزيادة، وذلك التوسع. إن إدارة العمل التي تحدث عنها مدير الإدارة لا بد أن تتضمن إدارة العاملين، ولكن التركيز سيكون على توزيع المسؤوليات، والإشراف، والمتابعة، والتقييم بدلاً من حل مشكلات الموظفين ومتابعة أحاديثهم، وأخبارهم. وعندما تكون الجودة هي المعيار السائد في بيئة العمل فإننا لن نقيّم مدير الإدارة بعدد من يشرف عليهم ولا بمساحة الإدارة، أو حجم المبنى وإنما نقيّمه بمعيار الإنتاجية. ومن المهم في تقييم أداء الموظفين تشخيص حالة الأداء من كافة الجوانب، فقد يكون الموظف غير مناسب لطبيعة العمل، ولكنه قد ينجح في عمل آخر إذا اتيحت له الفرصة والتدريب. أحد المشرفين كتب إلى أستاذه في الجامعة ما يلي:- "أعمل مشرفاً في قسم المحاسبة بإحدى الشركات كثيراً ما كنت أنظر في المكتب حولي، وأتمنى لو كنت استطيع التخلص من واحد أو اثنين من الموظفين متوسطي الأداء، واستبدالهما باثنين من المتميزين. ذكرت لنا في إحدى المحاضرات أن الحظوظ ضعيفة جداً في الحصول على بديل أفضل من مستودع سوق العمالة. إن فصل موظف ما والاعتماد على الحظ في سوق العمالة لا يستحق المخاطرة بالروح المعنوية للقسم كله. عندما التحقت بمادتك كنت أعاني من مشكلة في القسم، أحد محاسبينا الجامعيين كان أداؤه ضعيفاً باستمرار في المهام الكتابية وكان ذلك لفترة من الوقت. كانت القاعدة لدينا، أن الموظف لا تتم ترقيته حتى يحسن من أداء عمله الحالي. بعد سماعي لمحاضرتك عن المبادئ الحديثة في الإدارة ادركت أن هذا الموظف ربما يكون قد وصل إلى حالة الضبط الإحصائي مع أنه كان من غير العملي أن احاول إثبات ذلك بالأساليب الإحصائية. قررت بعدها أن اتبع الأسلوب الصحيح وهو تدريب هذا الموظف على عمل آخر، يسرني ابلاغك أن هذه الفكرة قد نجحت نجاحاً رائعاً، فقد أصبح هذا الموظف متكمناً في عمله الجديد، وأشعر كما لو أن لديَّ موظفاً جديداً". (من كتاب "الخروج من الأزمنة" تأليف وليام ديمنغ، ترجمة أ. حمد القضيب، إصدار: معهد الإدارة العامة 1427ه). ومن مخزون الذاكرة أتوقف عند حالة واقعية ملخصها: أن أحد الموظفين كان يعمل بوظيفة سكرتير، ولم تكن له علاقة بهذه الوظيفة من بعيد أو قريب، وكان يتأخر في الحضور، وإن حضر فإنه يشغل وقته بقراءة الصحف، وكتابة الشعر، وربما يأخذ غفوة. وتقرر نقل هذا الموظف إلى عمل ميداني واعطيت له مسؤوليات تعطى عادة مع توفر الثقة، وكانت المفاجأة فقد تحول هذا الموظف إلى شخص آخر وأبدع، ونجح في عمله الجديد بدرجة ممتاز. وهكذا فعندما نتحدث عن ما يسمى بالبطالة المقنعة فلابد أن نعمل على اكتشاف قدرات الموظفين، فكل إنسان لديه قدرات معينة ولكن من يكتشفها؟ ومتى نكتشفها؟ إلا أننا نكتشف من تلك الأمثلة أن إدارة العمل لا تنفصل عن إدارة العاملين والأولى، لا يمكن أن تتم بدون الثانية. وأما السؤال الذي تطرحه مقالة اليوم فهو مدى وجود آلية واضحة لدى الأجهزة لتحديد عدد الموظفين الذين تحتاجهم الإدارة أو القسم، ومدى العدالة في توزيع العمل، وهل يستطيع المدير المنشغل بمسؤوليات كثيرة أن يخصص جزءاً من وقته لاكتشاف قدرات من يعمل معه، فإن وجد الوقت فهل يملك القدرة على ذلك، أم يستعين بأهل الاختصاص؟