تواجه كثير من النساء في مجتمعنا مشكلة عدم اهتمام الأزواج بمسؤولياتهم الاجتماعية، ومن ذلك النفقة، وتربية الأبناء، ومحاولة تحسين الوضع المعيشي للأسرة، إلى جانب الحفاظ على مقومات الأسرة وقيمها ومبادئها التي تمكنها من الاستمرار.. والعيش بسلام.. ومنع الانحرافات داخل أفرادها.. "الرياض" تتناول في هذا التحقيق معاناة بعض النساء اللاتي تحدثن بألم وحرقة من أزواجهن الذين تخلوا عن مسؤولياتهم، وتركوهن يتحملن وحدهن المسؤولية.. مسؤولية لقمة العيش.. التربية.. التعليم.. كل ذلك دون أن يستشعر بعض الرجال قيمة هذه التضحيات.. المشكلة زوجي على قيد الحياة..!! في البداية تتحدث أم عبدالعزيز الجيزاني وهي أم لخمسة أطفال أكبرهم فتاة في الثالثة عشرة، وتقول "يتعاطى زوجي المسكر منذ سنوات طويلة ولا نراه لعدة شهور متواصلة أعيش مع صغاري في ملحق فوق السطح (غرفتين ودورة مياه) إيجارها في السنة ستة آلاف ريال وأجمع قيمتها خلال العام من أهل الخير، وأحياناً اذهب للتسول وأحياناً أبيع الماء، فالجمعيات الخيرية لا تقبل مساعدتي بحجة أن زوجي على قيد الحياة ولست مطلقة..!! أما الشؤون الاجتماعية فيشترطون حصولي على "صك ولاية" من أجل مساعدتي ببعض المال، ولكنني لم أتمكن من تنفيذ شرطهم لأنني قلما أرى زوجي وحين أراه لا يكون في وعيه.. ماذا أفعل..؟ اقسم بالله أنني لا أجد ما يسد رمق أبنائي، ويمضي علينا أيام طويلة دون أن يدخل الطعام منزلنا عدا شهر رمضان حيث أحصل من أهل الخير على التمر وبعض الأرزاق العينية.. وتضيف: لقد طلبت الطلاق أكثر من مرة حتى أتمكن من الاستفادة من مساعدات الجمعيات ولكن لم يتحقق طلبي. زوجي مراهق أما الجوهرة القحطاني موظفة بالقطاع التعليمي منذ عشرين عاماً ولديها أربعة أطفال، تقول باستياء شديد مشكلة الزوج انه لا يرى لزوجته ولياً غير نفسه، ومع ذلك فهي الطرف الخاسر في كل الأحوال، فبعض الرجال للاسف يستأجرون شقة لمدة ستة شهور، وبعدها إذا رضي هذا الرجل عن هذه الزوجة استمر معها ستة شهور أخرى، أما إذا رأى هذا الزوج غير ذلك فإنه يذهب ويخرج من "بيت الزوجية" بلا عودة وعلى الزوجة المسكينة البحث عنه فإذا رغبت الطلاق فعليها الدفع المالي لذلك الزوج مقابل خلاصها منه وإذا أرادت الاستمرار في حياتها معه عليها سداد إيجار البيت.. ويبقى هو صاحب السلطة ولن يتم شيء دون رأيه وإذنه لا خادمة ولا سائق ولا سفر ولا سكن ولا أي إجراء.. هي من يطعم ويكسو ويعالج الأبناء هي من يذهب بهم إلى الطبيب ومن يتابع دراستهم وأحوالهم في المدرسة والشارع والبيت.. هي من يشتري لوازم الأسرة ويسدد الفواتير ويدفع التكاليف من صحتها ومالها.. ويبقى هو صاحب الكلمة والصورة الشكلية أمام الناس مهما كانت أخطاؤه وتقصيره.. وأضافت: أنا أعيش بمعزل عن زوجي منذ ستة شهور ولا يعرف عن أبنائه سوى ما يعرفه الغرباء عنهم وأنفق كل مالي ووقتي لأجل أبنائي الأربعة وبالرغم من ذلك لا استطيع استقدام خادمة ولا سائق أو انهاء الإجراءات الرسمية والمدنية".. بائعة "البليلة" السيدة "س. الشمري" تجلس في قارعة الطريق داخل إحدى ممرات حي خشم العام بمدينة الرياض وتبيع "بليلة" ويساعدها ابنها الذي لم يتجاوز السادسة من العمر.. يجتمع حولها المارة من الأطفال يدعونها أم بدر بائعة البليلة.. كان خلف تلك الأطباق الصغيرة قصة وخلف ذلك الباب حكاية أخرى من واقع يفرض مرارته على أفراد يعانون الإهمال والقسوة.. تقول أم بدر "تزوجته ولم أتجاوز 16ربيعاً وأنجبت 7أطفال ولم أكن أدرك سر الحبوب التي يتناولها زوجي يومياً.. كان يسمي ذلك الدواء (أم هلال) ويقول إنه لعلاج القولون... ولكنني أدركت مع الوقت أنها أدوية مضرة تدخل ضمن الممنوعات أو المخدرات وحين أخبرت شقيقه الأكبر بالموضوع قال لي وما شأنك به..؟ وحين علم أهلي قالوا لي أنتِ ابنتنا على الرأس والعين ولكن لا دخل لنا بأبنائك.. دعيهم لأبيهم...!! لم أستطع مفارقة صغاري وبقيت معه أتجرع الألم والحسرة وأراه بعيني يتعاطى دون أن أتحدث بكلمة.. وبعد خمسة عشر عاماً على زواجنا طلقني حين رفعت صوتي أطلب النفقة وغادر المنزل وله الآن أكثر من أربع سنوات لا يدخل البيت ولا يرى أبناءه ولا ينفق ريالاً واحداً.. سمعت من الناس أنه تزوج واستقر مع زوجته الجديدة في إحدى مناطق شمال المملكة وأنا هنا لا أعرف كيف اطعم أبنائي فاضطررت للعمل فأبيع الشطائر والحمص على أطفال الحي ولكنها بصراحة لا تسد اقل القليل.. لمن أذهب ؟ وكيف أطالب الجمعيات وأهل الخير صدقة وأنا أعلم أن أجر زوجي من عمله جيد وبإمكانه الإنفاق علينا ولكن أخشى إن طالبته بذلك من خلال المحكمة أن يحرمني رؤية أبنائي ويطردني خارج البيت لا أتحمل البعد عن صغاري.."!! خرج ولم يعد وداد عبدالله تعمل مرشدة طلابية بإحدى المدارس الأهلية لها مع زوجها معاناة وتجربة قاسية.. تقول وداد "زوجي يعمل بالقطاع العسكري وكان مركز عمله جديراً بأن لا نجهد أنفسنا بالسؤال الكثير عن شخصيته.. وافق والدي على زواجي منه وبعد مضي ستة شهور دفعت فيها تكاليفها المعيشية من مسكن وملبس ومأكل وقدر الله أن أحمل وبعد أن توفي والدي بشهرين جاء زوجي ليسألني عن إيجار البيت فأخبرته أنه هو الرجل الذي عليه أن يدفع نفقات أسرته ولكنه رفض وقال إن لديه إلتزامات ماديه كثيرة... أنا شخصياً لا أعلم أي شيء عنه حتى راتبه الشهري أجهل مقداره ولكنني أرى بعيني أنه لا ينفق علينا شيئاً وبعدها تأزمت الأمور بيننا حتى خرج من المنزل ولم يعد، انتقلت بعدها للحياة مع والدتي الأرملة وأنجبت ابنتي التي تبلغ الآن سنتين ونصف ولا تعرف والدها"..!! وتتابع بصوت مخنوق "لا أعلم أين مكانه وحين حصل بيني وبينه منذ شهور مكالمة هاتفية طالبته بالطلاق قال لي "لن أطلقك ولن أستأجر بيت".. وأعيش الآن حياة المعلقة وأصعب ما يواجهني هي الثبوتيات الرسمية لأنني حين أذهب بصغيرتي لأي مستشفى لا يقبلون علاجها لأنني لا أملك بطاقة أحوال لوالدها وكذلك شهادة الميلاد ولا أعلم ماذا سأصنع حين أدخلها المدرسة وأحمد الله أنني استطعت أن أتوظف وأنفق على نفسي وعلى ابنتي... السؤال من يحاسب هذا الرجل المستهتر على إهماله؟ من يحاسبه على التسيب والسعي لهدم مستقبل ومعاناة أرواح بريئة..؟ لو كان لدينا قانون يتابع ويحاسب هؤلاء لما تجرأ شخص على فعل ذلك وأنا المرأة علي مطاردة رجل من أجل قيامه بحقوقي الواجبة شرعاً ماذا أقول.. حسبي الله ونعم الوكيل".. مريض نفسي أما السيدة مها عبدالعزيز فلها أيضاً قصة مؤلمة مع مشكلة تنصل الأزواج من مسؤولياتهم فتقول "حين بدأت حياتي الزوجية معه كنت بمثابة هبة من والدي لذلك الرجل الذي كان يعتقد والدي أنه شاب ذكي طموح ينقصه فقط المال ليكون من خيرة الرجال، لذلك كان والدي يساعده في كل شيء.. قدم له البيت والسيارة وبعد سنوات قليلة تبين أن لديه مرضاً نفسياً أظنه مرض أو داء العظمة، فلم يثبت في أي وظيفة أكثر من عدة شهور وكذلك ننتقل من منزل إلى آخر بحجة أن الناس لا يقدرونه حق قدره وأصبح بعد سنوات قليلة من زواجنا يعتمد على راتبي.. حتى وقود سيارته يأخذ أجره من حقيبتي..... أنجبت خلال حياتي معه خمسة أبناء من أجلهم تحملت كل نزواته المجنونة والتي لا تتحملها أي امرأة.. وحين تخرج أكبر أبنائي من الثانوية العامة كانت مراحل مرض والده النفسي بلغت مداها فأصبح يضربني ويطردني من البيت ويقول لي أنني نحس وشؤم في حياته.. خرجت من بيته مهانة بعد أن تحملت ظلمه سبعة عشر عاماً وسترت عيوبه عن أقرب الناس لي لذلك كان خروجي من منزله مفاجأة وصدمة لأهلي الذين لم يكونوا على علم بكل تصرفاته وقصوره وها أنا الآن أعيش في منزل والدي وأكملت أربع سنوات معلقة والجميع يقول لي اطلبي الطلاق.. وليس لدي ورقة تثبت مرضه النفسي.. كل ما لدي سنوات عمر تعيسة قضيتها بمعاناة لا توصف... ثم ماذا أريد بالطلاق..؟ ليحرمني أبنائي انتقاماً مني.. ؟ شاهدت نساء كثيرات ظلمتهن هيمنة وقدرة الرجل وإن كان ظالماً.. الحمد لله أبنائي يزورونني كل أسبوع وأعطيهم مصروفهم وأشتري لهم كل ما يحتاجونه في مدارسهم وحياتهم وهو هناك في منزله ينتظر أن يأخذ منهم ما يستطيع من مال بعد أن جلس في بيته بلا علم ولا عمل.. من يحاسب هذا الرجل غير الله..؟ لن أقف في المحاكم أطالبه بالنفقة على أبنائه ليس من أجله فهو لا يعني لي شيئاً بعد أن عانيت ما عانيته كل تلك الأعوام ولكن من أجل فقط هؤلاء الأبناء الذين وهبتهم كل حياتي وأدعو الله أن يعوضني بهم خيراً".. عشرات القصص المشابهة اختارت "الرياض" بعضاً منها لعرضها هنا في هذه المساحة.. عشرات القصص تفيض حسرة وإحباطاً لا يمدها نحو الاستمرار سوى الخوف من الله والثقة بعدله... إنهم لا يمثلون كل الأزواج.. الدكتورة قذلة القحطاني المشرفة المركزية بوزارة التربية والتعليم تعلق على هذه القصص المؤلمة "لاشك أن هذه صورة مؤسفة ومحزنة لشريحة غالية في المجتمع وهي حالات للأسف واقعية نراها ونسمع بها ونستطيع أن نسميها "نشوز الأزواج"!! ولابد من معالجتها وتوفير الحماية الشرعية للمرأة؛ ولنعلم أولاً أن هذه الصور لا تمثل الإسلام، فالإسلام ولله الحمد كرم المرأة ورفع قدرها وأنزل سورة كاملة في شأنها وحرم ظلمها والاعتداء على حقوقها، بل أعطاها من الحقوق ما لم تجده أي امرأة أخرى في أي ديانة من الديانات، ولو عدنا للسيرة النبوية الشريفة لوجدنا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقف الإنسانية الجليلة في حسن التعامل مع النساء وكانت آخر وصاياه عليه الصلاة والسلام استوصوا بالنساء خيراً.. فأين هؤلاء الرجال الذين ينتمون لهذا الدين العظيم أين هم من وصايا نبيهم..؟ من هذا المنطلق نطالب بإنصاف المرأة من خلال إعطائها حقها الشرعي الذي ضمنه لها الشرع حقها في حسن المعاشرة والنفقة وحرية التصرف في مالها، حقها في الإرث واختيار الزوج، حقها في الفسخ والخلع وحضانة أولادها.. والكثير من الحقوق، إننا نطالب بإقامة محاكم شرعية متخصصة لمثل هذه الحالات ليسهل على المرأة رفع الدعوى والحصول على حقها ولو من خلال الهاتف والفاكس ولتؤخذ بعين الجد والاعتبار.. وأتمنى إيجاد مواقع على الانترنت لمثل هذه القضايا والمشكلات يقوم عليها أصحاب الرأي والاختصاص"، داعية إلى ايجاد مؤسسات متخصصة لملاحقة كل أب تخلى وهرب من مسؤوليته وإيقافه أمام القضاء لمطالبته بالحقوق وإلزامه بالنفقة وإيجاد آلية عملية جادة لتنفيذ ذلك، فكم من الأحكام تتوقف عند التنفيذ وتبقى المرأة تلاحق حقها لشهور وسنوات..؟ كما أوصي أولياء الأمور وكذلك النساء بعدم التسرع في الموافقة على الزواج إلا بعد التحري والسؤال ومعرفة تاريخ الأسرة فليس كل من يطرق الباب خاطباً يصلح أن يكون زوجاً وأباً، وكما وجد الآن موضوع الفحص الطبي بين الزوجين ينبغي كذلك أن يوجد الفحص الأخلاقي بالسؤال عن الخاطب في كل مكان يتواجد فيه.