كتبت لي إحداهنّ رسالة على البريد الإلكتروني، ترددت كثيراً في نشرها، إلا أنه تحت إلحاحها وتوسلاتها، ودهشة الفكرة، ووجعها، وإلى حد ما منطقيتها.. قررت نشرها، مع تغيير طفيف في الأسلوب الذي تشوشَ بسبب الانفعال الذي كتبت به المرسلة، وحذف كثير من التوصيفات المتشنجة التي برهنت على أن العدوى انتقلت إليها.. أما المقصود بالعدوى.. فستعرفونها من خلال قراءة الرسالة: ما شجعني للكتابة إليك، وجعلني أرغب بإلحاح في أن تنشري ما أكتبه، هي قراءتي لمقالك المنشور بالمجلة قبل شهور "العصبي نصف مجنون". إننا كثيراً ما نسلّم بأقدارنا التي كتبها الله لنا، نتعايش مع الظروف القاسية التي تعتري أقرب الناس إلينا، فنحن على استعداد لأن ندفع حياتنا كاملة ثمناً لرعاية أمهاتنا وآبائنا المقعدين، أو المرضى منهم، لأنه واجبنا أمام أنفسنا وأمام الله قبلها. كما أننا على استعداد، عن رضا نفس، أن نبذل التضحية ذاتها، وبطيب خاطر إذا ما كان هذا المريض أو المقعد هو أخونا أو أختنا، نتعايش مع أوضاعه الشاذة مهما كانت عصيبة لأن ثمة رحم دافئ جمعنا ذات يوم، وذاكرة مشتركة، تحرّضنا على الغفران مهما كانت القسوة التي يلقاها كل طرف من الآخر. لكن الأسئلة التي تلح علي منذ الأيام الأولى التي تزوجت فيها، وحتى العام العشرين الحالي من تاريخ زواجي، هي: ما ذنب الفتاة فينا لأن تتحمل ثورات غضب، وعصبية، وضيقة خلق رجل، هو ليس أباها ولا أخاها، ولا ابنها، لمجرد إمضاء صغير، أو طعنة بصمة على ورقة نكاح؟!! لماذا يطالبها المجتمع أن تصبر، وتتعايش مع عقد نفسية متراكمة تشكلت عند رجل لعشرين أو ثلاثين سنة، هي إفراز رديء لأسلوب تربيته، وتدريسه، وتهميشه وسط أسرته، وربما نتيجة حرمانه من الحنان، أو مركبات نقص، أو علاقاته وخبراته غير السويّة.. فيما هي (الزوجة) تكون قد نشأت في هدوء وسكينة، وحنان وطمأنينة في بيت أبويها؟! هذه الأسئلة المعلّقة وغيرها، مما أرجو أن يشاركني القراء فيها، تضرب رأسي منذ الأيام الأولى لزواجي، حين وجدت نفسي مطالبة وبتوصيات الأهل والصديقات: "حاولي أن تمتصي غضبه".. "تعايشي مع الوضع".. "هذا حالنا كلنا.. قد شفتِ زوج سعودي رايق وكووول؟!" .. "مع كل ثورة غضب، تمتمي في صدرك.. لكن إياك أن يسمعك: يا الله سكنهم مساكنهم".."كلما اشتعل بالهيجان بادري إلى إطفاء نيران غضبه". هذه التوصيات وغيرها كثيرة، تقذفها زوجات كثيرات وببرود، كلما شكوت لهم عصبية زوجي وثورات غضبه التي جعلتني أخاف من كل شيء، وأي شيء، مهما كان هيناً. فقد عودني منذ أيام زواجنا الأولى أن الصدامات الطفيفة واختلاف وجهات النظر البدهية، قد تتحول عنده إلى معارك، وهيجان، وزوابع من التهديد والشتائم والإهانات، والتجريح بأبشع صور التحقير: "إنتِ ما تفهمين؟!!" والويل كل الويل لو نسيت موعداً، أو سألته، ناسية، عن شيء، سبق وأن قال رأيه فيه قبل شهر أو شهرين!! عدا الطقوس التي تصاحب ثورات غضبه: يرزع الباب بقوة يتصدع لها جدران البيت، يقذف بالريموت كنترول عند أبعد نقطة في صالة الجلوس، يضرب بالجوال على الكنبة المجاورة، أما حاجباه ففي مقدوره أن يجعلهما متخشبة مرفوعة في حالة تجهم ليومين أو ثلاثة دون أن يسهى لحظة ويرخيها حتى في المنام!! أو أتفاجأ به يحضر معه طعاماً بينما أكون أنا قد أعددت آخر!! وكثيراً.. كثيراً ما تأهبت للذهاب لحفل زفاف أو مناسبة، وعند أدنى تماس في الحوار يقرر: "ما فيه روحة"!!!.. يظل على هذا النحو، إلى أن أبادر أنا بإرضائه، وإطفاء نيران غضبه، والتوسل بالغفران على ذنب لم أقترفه. أبادر أنا، لأنني أكره النكد، ولأني بطبعي هادئة، نشأت في أسرة قلما يرتفع فيها الصوت، نحتمل اختلاف وجهات نظر بعضنا مهما كانت معارضة، وحتى، عندما حاولت تطبيق ما قرأته قبل الزواج، عن إستراتيجيات امتصاص تجهم الآخرين، وسبل إطفاء شرارة غضب الشريك، والتدريب على الابتسامة في خضم المعركة، وتعلم فن الاسترخاء، كلها فشلت مع زوجي.. لقد شوهني زوجي من الداخل بعصبيته، الرجال هنا لا يفهمون أن الحياة لا تدار بالملابس والمصروفات والثلاجة المتخمة بالفواكه والخضروات، وبناء بيت. كل هذه الأشياء لا قيمة لها عند المرأة ما دامت تفقد الأمان مع الشريك ، ما قيمتها وقد جعل من زوجته خائفة منه طوال الوقت؛ أخاف من الزلات الصغيرة، ومن الحوار معه، من أي شيء وكل شيء، لقد جعلني أشعر بأني تلميذ خائب، لا يحسن التصرف على كل الأحوال، مذنبة طوال الوقت، ومطالبة بالاعتذار، أضطر لأن أؤيده في كل ما يقول: حتى لو أعلن أن ريكي مارتن أخوه من الرضاعة، وأن الوليد بن طلال استدان منه أمس ألف ريال، وأنه استيقظ اليوم متأخراً لأنه سهر أمس مع كوندليزا رايس حيث كانت تستشيره على الماسنجر في بعض شؤون الشرق الأوسط.. فإني أجد نفسي مرغمة بأن أعلّق بفرح "ما شاء الله".. الناس كثيراً ما تحتار في تقديم الهدية اللائقة للعروس.. مكياج!! أكيد عندها كثير وهي أعرف ببشرتها. عطور!! عشرات القنينات تملأ تسريحتها، كما أن المسألة تخضع للذوق. قمصان نوم!! هو أكثر ما ينسف مهور البنات. ذهب!! قطعة صغيرة غالية نار، ومع هذا لا تبيّض الوجه. فلوس!! قد تتحسس بعضهنّ "ليش، شايفيني محتاجة؟!". لكن الناس غفلت عن أهم وأعظم هدية يمكن أن تقدمها للعروس، ومن خلال خبرتي، الأكثر فائدة وعملية، وهي "طفاية حريق"!! كل متزوجة ستدرك أنه، ومنذ الأيام الأولى، قد تحول دورها من زوجة، وحبيبة، وشريكة، إلى رجل إطفاء!!.