التقت "الرياض" بأحد الذين تنازلوا عن حقهم في الدم دون مقابل فتحدث لنا - بعد أن طلب ألا نعلن اسمه - وقال: لم تكن قضية ابني المقتول سهلة علي، ولا يمكن أن يعرف مدى ألم هذا الموقف إلا من عاشه؛ لأنه ينتاب الإنسان لحظتها مرارة شديدة فالقضية ليست مجرد فقد ابن، بل هو اعتداء وقتل يشعر الوالد بعده بالغبن والقهر، وطبيعتنا ترفض الاعتداء اللفظي فكيف بالقتل، لذلك أقول لمن يسعى في الوجاهة ضعوا هذا الوضع النفسي الصعب نصب عينيكم، ثم تخيلوا أنكم تزورون رجلا مقهورا على قتل أغلى ما عنده، ولذلك لا تغضبوا لو سمعتم كلمة غاضبة قاسية، فالموقف مؤلم. ويضيف: عندما جاءني وجهاء المجتمع وشيوخ القبائل وطلبوا مني التنازل كنت في أصعب المواقف التي مرت علي في حياتي، ولكني أعلم أن الرجال لا يكونون أقوياء إلا في مثل هذه المواقف، ولذلك لم أطل المجادلة في هذه القضية؛ فاحتسبت الأجر ثم تنازلت لوجه الله ثم للوجهاء من خيار الناس الذين حضروا. وحول سؤالنا له عن سبب عدم طلبه مال كدية أو كصلح قال: ابني لا تساويه كل أموال الدنيا في نظري؛ فهو عندي أغلى من كنوز الأرض، واسألوا كل والد عن هذا الإحساس، ولذلك لا أرى الأموال مهما كانت طائلة ثمنا له، لكن قيمة الذين استشفعوا في القضية هي الكنز الذي يعرف قيمته كرام الرجال، وأحمد الله في النهاية على قدري، وعلى أنني في هذا المجتمع الكريم المتكافل. ويضيف: يؤلمني أن أسمع عن المبالغ الخيالية التي تكون ثمنا للصلح، وهذا أمر غريب على مجتمعنا، ولا يمكن أن نتاجر بدم أبنائنا، فالصحيح أن يتجمل ولي الدم في موقفه، ويأخذ المشروع، وإن زاد عليه فيأخذ المعقول أما أن تكون مزايدة فهذه لا تقبله قيمنا، وأما إذا أصر صاحب الحق على حقه الذي فرضه الشرع في القصاص فلا يلام. وحول سؤاله عن أسباب رفض بعض الوجاهات يقول: إن هناك أسباباً متعددة، فقد يكون نوع القضية عاملا مهما في الإصرار على القصاص، وقد يكون جهل بعض الوجاهات بأسلوب الوجاهة كالتعالي أثناء الحديث مع ولي الدم سببا في تأزم الحلول، وقد تكون العصبية القبلية أحيانا ذات يد طولى في رفض هذه الشفاعة والإصرار على القصاص.