علاقة الإنسان مع نظيره الإنسان من أكثر الأشياء تعقيداً وحساسية، العلاقة مع الآخر المختلف في مستوى الثقافة، المختلف في المستوى الاجتماعي، المختلف في المرجعية التفسيرية للكون، المختلف في العرق أو اللون أو اللغة.. الخ، وكلما ازداد الاختلاف جذرية ازدادت القضية تعقيداً ووضوحاً. هناك سمات رئيسية في التعامل مع هذا الآخر، يمكن البحث عنها من خلال قراءة تاريخ شعب من الشعوب وتحليل تراثه ورؤية حاضرة، فنرى ماذا يمثل الآخر بالنسبة إليه، أيكون هذا الآخر هو العدو الغازي، أو المبشر بالحضارة، أو التاجر، أو أشياء اخرى تترسخ تراكمياً في ذهنية البشر. نجد في العقل الاسطوري للإنسان فكرة الإبداع القادم من العالم اللامرئي، الخوارق التي تأتي من عالم الجن والشياطين، نجد هذا على سبيل المثال عند العرب في اسطورة وادي عبقر" والجن الذي يلقون الشعر على قلوب الشعراء فتجري به السنتهم، لكن هذه الاساطير امتدت لترسخ بصورة أكثر تعقيداً في الوجدان العربي، تطورت فيما بعد في تكوين الثقافات العربية، حيث نسبت كل فكرة مختلفة أو غريبة إلى آخر القاها على قلب العربي الذي نطق بها أو رددها كببغاء، من تكوين العقائد الإسلامية المختلفة، وربما إلى اللحظة الراهنة، فكل جديد ومبدع جاد من الآخر العدو المختلف وربما اللامرئي. فالتحديث الأدبي في اساليب الشعر جاء من الآخر الذي يريد ان يستهدف الذائقة العربية، واللغة العربية، والأفكار التحديثية الاجتماعية والثقافية جاءت من الآخر الذي يريد ان يخلخل قناعات المجتمع الصحيحة، والقنوات الفضائية جاءت من الآخر الذي يريد ان يدمر قيم المجتمع، وفي مراحل متقدمة لا تأتي هذه التفسيرات المجانية للظواهر العامة، بل تتغلغل بشكل أكثر تفصيلية، فيكون هذا المثقف مرددا لحديث الآخر العدو، وهذا الاديب هو مترجم لإبداع الآخر، هناك تنهك وتنتهك الذات بشكل كبير ومعقد، مما جعلها تسلم بحالها العاجز في النهاية، وتتوجس من أي تفكير أو تغيير، فالآخر هو تفسير ما يحدث للذات، وما على الذات إلا أن تقاوم وتمانع إلى الأبد، بترسيخ حقيقي للعجز، ومحاولة للهروب من تراكمية الكون الحضارية والشاملة.