الحارة مكان يعشقه عدد كبير من الناس حتى من لم يعش فيها ويعرفها عن قرب، لذلك يحب الجمهور أن يراها على الشاشة، ففيها رائحة الماضي والذكريات والتلقائية في كثير من الأقوال والأفعال التي تفضي إلى مواقف وذكريات مضحكة تكون فاكهة وحلوى القادم من الأيام، فالبيوت القديمة لها وقع مريح على نفس المشاهد، والعمل الدرامي الذي يتناول الحارة أياً كانت جنسية هذه الحارة يحظى بمتابعة عالية خاصة إذا كانت حارة الشاشة مرآة عاكسة للحارة القديمة فعلاً مثلما يحصل في الأعمال السورية والمصرية التي احتلت الحارة فيها مكانة عالية ومهمة حتى أن بعض الأعمال تضيف للحارة قيماً ومبادئ وسلوكيات ربما لا تكون موجودة وهذا ليس تشويهاً للواقع بل لإعطاء روح جمالية تزين السلوك البشري. عكس ذلك ما يحدث مع الحارة السعودية التي لا تظهر على الشاشة إلا بوصفها مصّدرة ل"المهابيل ومشوهي الوجوه والعقول والسلوك!". والحارة السعودية ليست بهذه الصورة صحيح أنها كانت تضم في شوارعها وزقاقها من تنطبق عليهم الصفات والسلوكيات سالفة الذكر ولكن فيها قيم جميلة لا تنكر مثل أبواب الجيران المفتوحة طوال النهار المستعدة دائماً لاستقبال ضيوفها دون تحديد موعد، الجارة التي تستقبل جارها وتقوم بحق ضيافته من قهوة وشاي قاذفين بالريبة والشكوك والتفسيرات للزمن الذي يليهم، أبناء الحارة الذين تربطهم الأخوة رغم اختلاف الآباء والأمهات، الأب الذي يتعامل مع أبناء الحارة كأبنائه وكذلك حال الأمهات، الرحلات البرية للصحراء أو داخل المملكة التي كان يقوم بها أهل الحارات مع بعضهم، الحارة السعودية ثرية جداً ومختلفة اختلافاً جذرياً من منطقة لأخرى فمثلاً الحارة النجدية تختلف عن الحجازية عن الشرقية والشمالية، اختلاف في العادات واللهجات والمباني، ثقافات رائعة وغزيرة اختزلتها الدراما السعودية في الهبالة والسذاجة. العجيب أن كثيراً من القصص والروايات السعودية والنقل في كتب التراث مليئة بالحارات السعودية الفعلية ومع هذا لم تستفد الدراما من هذا النتاج رغم أن عدداً كبيراً من هذه الأعمال المكتوبة يفي بأهم شروط الدراما السعودية وهي الكوميديا، فالحارة بطبيعتها البسيطة زاخرة بالمواقف الكوميدية الحقيقية وليست المضحكة التي تفتعلها الشخصيات "الدلخة" التي أضحت لازمة للعمل الكوميدي السعودي!.