سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التغيرات التي تشهدها المملكة تتطلب من مؤسسات القطاع الخاص توسيع مساهمتها المجتمعية مؤكداً أن من أهمها المشاركة في تدعيم الأمن والوقاية من الجريمة.. نائب رئيس جمعية علم الاجتماع د. الباز:
أكد الباحث الاجتماعي الدكتور راشد بن سعد الباز أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام. أن قيام مؤسسات المجتمع، ومنها القطاع الخاص، بمسؤوليتها الاجتماعية في المساهمة في تعزيز أمن المجتمع، ليس من باب التفضل أو التطوع، بل من باب القيام بالواجب الذي يتطلبه واقع التغيّر في المجتمع الحديث، كما أنّ قيام القطاع الخاص بمسؤوليته الاجتماعية يعتبر جزءاً من ردّ الجميل للدولة وللمجتمع خاصة أنّ الدولة لم تبخل بالدعم المالي والدعم المعنوي للقطاع الخاص بالإضافة إلى تبني الدولة لقضاياه والدفاع عن مصالحه أمام الشركات والتكتلات التجارية الدولية، فكما نطالب الأجهزة الأمنية بالقيام بمسؤولياتها نطالب بالمقابل مؤسسات المجتمع، ومنها القطاع الخاص، بالقيام بمسؤولياتها في تعزيز أمن المجتمع والوقاية من الجريمة. وأوضح د. الباز، وهو نائب رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، وصاحب بحث "الشراكة المجتمعية بين مؤسسات المجتمع والأجهزة الأمنية" الفائز بجائزة مجلس التعاون لدول الخليج العربية للبحوث الأمنية، أن العلاقة بين المجتمع ومؤسساته المختلفة تعتمد على ما يعرف ب "العقد الاجتماعي" الذي يمنح المجتمع بموجبه من خلال مؤسساته المعنية اعترافاً بتأسيس المؤسسة لتحقيق أهداف مشروعة في مقابل مساهمة هذه المؤسسات في تقديم خدمات للمجتمع. وهذا العقد يتصف بالديناميكية فهو متغير تبعاً لتغير الظروف والمستجدات في المجتمع وبالتالي فإنّ التغيرات التي شهدها وتشهدها المملكة تتطلب من مؤسسات القطاع الخاص توسيع مساهمتها المجتمعية وشراكتها فلم تعد خدمات توفير السلع وضمان جودتها وتوظيف أفراد المجتمع أو المحافظة على البيئة هي محور العقد الاجتماعي بل اتسعت لتشمل جوانب يحتاجها المجتمع مثل المشاركة في تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية ورعاية المناسبات الاجتماعية والثقافية ودعم مسيرة التعليم والبحث العلمي ومن أهمها المشاركة في تدعيم الأمن والوقاية من الجريمة، فالقيم الاقتصادية والتي تأتي في مقدمتها تعظيم الربح لم تعد المحدد الوحيد للأداء فالمؤسسات تعمل من خلال أنماط ثقافية وقانونية وسياسية واجتماعية والمؤسسات الخاصة هي جزء من النسق الاجتماعي العام تؤثر وتتأثر بالمجتمع وهذا يستدعي إيجاد نوع من التوازن بين الربح ومراعاة اهتمامات المجتمع كأهداف ضرورية ضمن نطاق المسؤولية الاجتماعية. واجب ديني وأمني ومن وجهة نظر دينية أشار د. راشد الباز إلى أن القيام بالمسؤولية الاجتماعية فيها تحقيق لإحدى القيم الإسلامية العظيمة وهي التعاون كما قال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى" (المائدة: 32)، وفيه تحقيق لعمارة الأرض التي حثّ عليها الدين الإسلامي، فتحقيق الربح ليس هو المعيار الوحيد لنجاح المؤسسة لكن هناك معياراً مهماً لا يقل أهمية عن الربح المادي وهو ما تقدمه المؤسسة لمجتمعها من خدمات مجتمعية ومن ذلك تعزيزها للجانب الأمني في المجتمع. ونوّه د. الباز بتنمية الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوربا الغربية، خاصة بعد صدور تشريعات وقوانين في تلك الدول تُلزم المؤسسات والشركات بالمسؤولية الاجتماعية والمساهمة في تقديم الخدمات، بل وفرض جزاءات عند عدم قيامها بذلك. وتوقف د. الباز عند نقطة هامة حيث إن مؤسسات القطاع الخاص، وإن كانت أسهمت في التنمية الاقتصادية لمجتمعاتها، لكنها أسهمت أيضاً في بروز مشكلات اجتماعية واقتصادية في المجتمع قادت إلى مشكلات أمنية، ويضرب د. الباز مثالاً على ذلك، فاستخدام التقنية الحديثة والاعتماد على الآلات في التشغيل والاتصال يؤدي إلى الاستغناء عن عدد كبير من العاملين، مما يؤدي إلى حدوث بطالة وما يترتب عليها من مشكلات أمنية. ولزيادة الربحية اعتمدت الشركات والمؤسسات الخاصة في المملكة على العمالة الوافدة الرخيصة وبالتالي الاستغناء عن العمالة المحلية وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع البطالة بين المواطنين، وما أفرزته من مشكلات عديدة من أهمها ارتفاع معدلات الجريمة. وبما أن البطالة والفقر يرتبطان بالجريمة فعدم قدرة الفرد على توفير احتياجاته المادية أو عجزه عن تحقيق طموحاته قد تدفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة خاصة في وقتنا الحاضر الذي انتشر فيه الاهتمام بمظاهر الاستهلاك واتسعت فيه تطلعات الأفراد، بل إنّ البطالة من الأسباب الرئيسة للعنف. تضافر ضد الجريمة وشدد د. الباز على ضرورة تضافر جهود المؤسسات وقال إنّ المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص تستلزم تضافر جهود تلك المؤسسات مع المؤسسات الحكومية لعلاج المشكلات التي تواجه المجتمع ومنها البطالة، خاصة أنّ البطالة من الأسباب الرئيسة في انتشار الجريمة وما يترتب عليها من مشكلات أمنية وأخلاقية وفكرية، واستشهد بنتائج دراسة، أشار إليها مسؤول في وزارة العمل، أظهرت أنّه في الفترة بين 14161410ارتفع معدل الجريمة بين العاطلين عن العمل في المملكة بنسبة 320%، وهذا يضع مسؤولية كبيرة على القطاع الخاص في المساهمة في حل هذه المشكلة، وهو مهيأ لاستقطاب أعداد كبيرة من المواطنين وتوظيفهم خاصة إذا عرفنا أنّ هناك خمسة ملايين وظيفة في القطاع الخاص تشغلها عمالة وافدة، لكن على مؤسسات القطاع الخاص معالجة المعوقات التي تحدّ من ذلك مثل ما يتصل بحماية وحقوق الموظف وفقدان الشعور بالأمن الوظيفي وطول ساعات العمل والالتزام ببنود عقد العمل، وقد أشار عدد من الشباب الذين يعلمون في القطاع الخاص ممن التقى بهم الكاتب في إحدى دراساته إلى أنّ "صاحب العمل أو المدير يُمكن أن يفصل الموظف أو يخصم من مرتبه لسبب تافه أو بدون سبب وليس للموظف الحق في الشكوى أو التظلم وقد حصلت لبعض زملائهم"؛ كما أشار بعضهم إلى أنّ صاحب العمل قد يستغل الموظف ويطلب منه القيام بأعمال ليست من طبيعة وظيفته. إنّ مواجهة وعلاج مشكلة البطالة تتطلب تضافر جميع الجهود الحكومية منها والخاصة حيث إنّ القطاع الحكومي ليس من المفترض وليس بمقدوره أيضاً استيعاب جميع الشباب بجنسيه أو جميع خريجي الجامعات والمعاهد، ولابد للقطاع الخاص من إدراك أنّ المشكلات المترتبة على البطالة من انحراف وعلل وأمراض نفسية واجتماعية وما قد ينتج عنها من تفشي الجريمة وزعزعة الأمن في المجتمع، لا سمح الله، سيلحق الضرر بالحياة الاقتصادية وبالجانب الاستثماري. وأمام ذلك فالقطاع الخاص عليه إدراك دوره الرئيس في مساندة الدولة في مواجهة مشكلة البطالة، وهذا ليس من باب التطوع ولكنه ملزم بذلك فهذا جزء من المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع الذي هو جزء منه. ولا يفوت د. الباز أن يركز على مشكلة التستر باعتبارها من المشكلات الأساسية التي لا يقتصر تأثيرها على الأضرار الكبيرة التي تلحق بالاقتصاد الوطني وما ينتج عنها من ارتفاع في معدل البطالة بل لها تبعات أمنية خطيرة، فيشير د. الباز إلى إحصائية تقول أنّ 62% من العمالة الوافدة يتركون وراءهم الأعمال التي استقدموا من أجلها من قبل الشركات والمؤسسات الخاصة، وإحصائية أخرى تُشير إلى أنّ من بين 800ألف منشأة سعودية 40% منها تعمل بها عمالة وافدة أصحابها ليس لهم إلا الاسم فقط، وكثير من هؤلاء العمال الوافدين المتستر عليهم ينخرطون في أعمال غير مشروعة وربما يُشكلون عصابات إجرامية تُهدد أمن المجتمع وتُمثل عبئاً على الأجهزة الأمنية، لذا فإنّ مؤسسات القطاع الخاص لها دور مهم في مواجهة هذه المشكلة وإدراك أنّ مسؤوليتها الاجتماعية مقدمة على الكسب المالي، وأنّ مصلحة الوطن والمصلحة العامة مقدم على المصلحة الخاصة، وأنّ أمن المجتمع ليس مسؤولية الأجهزة الأمنية فقط بل مسؤولية الجميع ومنها مؤسسات القطاع الخاص التي تستطيع أن تُسهم في الحفاظ على أمن المجتمع من الممارسات غير المسؤولة التي تقوم بها بعض تلك المؤسسات. أمن العمالة الوافدة ومن مظاهر المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات وشركات القطاع الخاص التي تعزز الجانب الأمني في المجتمع هو قيامها بمسؤولياتها تجاه عمالتها الوافدة، فيذكر د. الباز أن نسبة العمالة الوافدة في تركيبة القوى العاملة في المملكة كبيرة ويُقدر عددهم في القطاع الخاص ب 4.866.989، وهناك ممارسات غير مسؤولة من بعض المؤسسات والشركات تجاه العمالة الوافدة كتأخير مرتبات العمال لعدة أشهر أو عدم الالتزام بشروط العقد المتفق عليه أو عدم توفير البيئة المناسبة للعمال مثل تكديس عدد كبير من العمال في غرف صغيرة وعدم متابعة العمال وتنقلاتهم وهذا بدوره يؤدي إلى تفشي الجريمة.ومن هنا فإنّ المؤسسات والشركات مُطالبة بالقيام بمسؤولياتها تجاه عمالتها الوافدة والتزامها بالأنظمة والقوانين العمالية التي تؤكد على أهميتها المملكة وهذا يُحقق قيامها بجزء من مسؤولياتها الاجتماعية في تعزيز الأمن في المجتمع والوقاية من الجريمة، ولا بد من إيجاد نظام لمحاسبة ومعاقبة المؤسسات المخالفة. التوعية ضرورية أمرٌ آخر يشير إليه د. الباز يتصل بمؤسسات وشركات القطاع الخاص وهو أنّ تلك المؤسسات والشركات يجب أن تأخذ في الاعتبار ما قد يترتب على تقديمها من خدمات أو برامج من آثار وأضرار محتملة على الفرد والمجتمع وبالتالي تقديم برامج توعوية وخدمات موازية تواجه أو تُخفف من تلك الأضرار، على سبيل المثال التسهيلات البنكية والقروض الشخصية وتقسيط السلع؛ فنتيجة لسهولة الحصول على التسهيلات البنكية والقروض والتقسيط دفع ذلك كثيراً من الأفراد، ومن غير إدراك للعواقب، إلى الحصول عليها مما أوقعهم في صعوبات مالية نتيجة عدم قدرتهم على السداد وقد يؤدي ذلك إلى ارتكابهم لبعض الجرائم المالية أو السلوكية من مخدرات وغيرها في محاولة لسداد ما عليهم من أقساط أو قد يؤدي بهم إلى السجن نتيجة عدم قدرتهم على السداد وما يعنيه ذلك من تحمل الأجهزة الأمنية من أعباء مالية لتغطية نفقات السجن بالإضافة إلى ما ينجم عن سجن رب الأسرة وغيابه عن أسرته من ظهور انحرافات داخل الأسرة. وخير دليل على ذلك ما نجم عن انهيار سوق الأسهم في بعض دول الدول الخليجية من أضرار صحية ونفسية واجتماعية وأمنية ويُعزى أحد أسباب ذلك إلى التسهيلات البنكية الممنوحة للمستثمرين. وأخيراً فإنّ مؤسسات القطاع الخاص، برأي د. الباز، يُمكن أن تُسهم في دعم الأمن ومكافحة الجريمة من خلال اهتمامها بأمن المنشأة وإجراءات السلامة والرقابة الداخلية والأمن المعلوماتي وتوفير الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، فقد لا تكترث بعض المؤسسات بهذه الأمور أو تقلل من شأنها أو لا توفر الحراسة الكافية للمنشأة ربما رغبة في خفض النفقات وبالتالي تتحمل الجهات الأمنية تبعات ما قد ينتج عن ذلك من آثار. وفي ضوء ما أوضحه د. الباز يخلص بحديثه إلى نتيجة تبرز الحاجة في وقتنا الحاضر إلى أهمية استعانة الشركات والمؤسسات الخاصة الكبيرة والمصارف بمستشارين اجتماعيين لتفعيل دور مؤسسات القطاع الخاص في خدمة المجتمع وإضفاء بعد اجتماعي عند اتخاذ تلك المؤسسات لسياساتها وقراراتها يأخذ في الاعتبار التبعات الاجتماعية والأمنية.