الأحادية الفكرية حين تمكنت حجرت على العقول فحاربت الابتكار والإبداع وكل ما هو جديد ويتجلى ذلك مشاهداً للعيان في الفعاليات والمناسبات الثقافية ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك من يصدر فتاوى بالتكفير والتفسيق على من يخالفه الرأي ولسان حاله يقول: من يخالفني الرأي فهو كافر وفاسق! كم أتمنى ان نعلم ان عدم التخصص لا يمنع من ابداء الرأي والتساؤل، ثم أين هذا الرأي والمشورة والتساؤل المباح من الذي يزعم التخصص فينظر ويفتي بتكفير وقتل المسلم لأخيه المسلم ظلماً وعدواناً؟! السؤال الجدير بالطرح، ما الهدف من اسهاب خطيب الجمعة وترديده على الملأ: ان في معرض الرياض الدولي للكتاب منكر ونكير فصال وجال في هذه النقطة حتى انتهت الصلاة في الجوامع القريبة وهو لم ينته بعد من خطبته العصماء؟!، هذا الكتاب الذي أفرد له الخطيب كل هذا الوقت ثبت أنه سحب من المعرض في تلك الساعة التي اكتشف فيها عدم صلاحيته، والحالة كهذه ماذا يريد الخطيب حين يجعل من الخطأ غير المقصود خطأ متعمداً؟! وماذا يريد حين يضخم الخطأ الذي بحجم النملة فيجعله بحجم فيل؟! غير فرض وتكريس الوصاية الفكرية على شعب بأكمله؟! هذه الوصاية لم تقتصر على المحيط القريب بل نبت لها أنياب ومخالب فأخذت أبعاداً ووجوهاً أخرى حتى نالت وصاية من المذاهب الأخرى ولنا ان نتخيل وقع هذه الوصاية البغيضة على وطن بمساحة قارة كالمملكة التي تتنوع فيها المذاهب والثقافات والمشارب وكأن خلاف المذاهب في المسائل الفرعية من مستجدات هذا العصر حتى نقول أنها محل نظر وتحتاج للمزيد من البحث والمراجعة من العلماء والراسخون بالعلم سبحان الله!، أليست هذه خلافات مذهبية نشأت من مئات السنين بين الأئمة الأربعة أهل السنة والجماعة الذين ذكروا فضل بعضهم على بعض ولم يصادر أحدهم رأي الآخر كما يفعل البعض اليوم؟! مؤكد ان خلاف الأمة رحمة وأيضاً لحكمة من العزيز الحكيم، ولو أراد الله عز وجل غير ذلك لكان لكل شيء نص قطعي لا يقبل أكثر من تفسير كما هي مع الصلوات الخمس حيث لا يجرؤ كائن من كان ان يقول أنها ست صلوات باليوم، فكان الخلاف هنا بالكيفية التي أضعنا الوقت في الحديث حولها وغيرها من المسائل الفرعية ولو ترك لكل مذهب وما يدين الله تعالى به ما دمنا اتفقنا على الثوابت والأصول لكان في ذلك الخير الكثير، نعم ما الفائدة المرجوة من اقصاء الآخر والزيادة والإعادة بأمور خلافية مفروغ منها حسمها أئمتنا السابقون عليهم من الله تعالى رحمة ورضوان؟! قبل الختام، الوصاية على الفكر والمذاهب الأخرى لن يأتي منها سوى التخلف عن الركب والحضارة وتوسيع الفرقة وتعميق الجراح بين أبناء الوطن الواحد وبين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في وقت المسلمين في أمس الحاجة فيه للتكاتف والتعاضد. ختاماً، التعددية الفكرية والمذهبية التي لا تمس البتة ثوابت الدين وأصوله أمر لابد من قبوله من الجميع وحق لابد من ترسيخه في العقول، وتعليم لابد من اقراره في المدارس والجامعات ووعي لابد ان يكون لوسائل الإعلام دور في نشره، ونظام لابد من محاسبة الذي يقف ضده لاسيما التكفيري التفسيقي الذي ابتليت به الأمة، وما يصح إلاّ الصحيح.