تشهد جامعة الملك سعود حراكاً كمياً ونوعياً غير مسبوقين. البرامج الأكاديمية والبحثية وكراسي البحث وصناديق الدعم المتعددة، وبرامج التبادل الأكاديمي، والأساتذة الزائرون والفائزون بجوائز نوبل، والانفتاح على تجارب عالمية وجلب الخبرات الأكاديمية والتعليمية، فضلاً عن مبالغ مالية ضخمة توفرت للجامعة. يخيل لي أن الجامعة تركض ما وسعها الركض من أجل تتبوأ مكاناً يليق بها في تصنيف الجامعات العالمية. هذا شيء مفرح. وأتحدث عن معرفة بما عليه مدير جامعة الملك سعود. ولا اشك في حماسه وإخلاصه وصدقه. ولا أشك أنه يركض نحو الأفضل. ويدفع الجامعة نحو التحديث والتطوير. وأقول له إن سعيك مشكور ومذكور. وإني والله خائف من العقبات التي تعترض طريقك. وأخشى أن تكون العقبات بقدر كبر طموحك. وأخشى أن يكون الركض قاسياً. الركض إلى الأمام يتطلب أموراً كثيرة. وفرت الجامعة بعضها مثل: المال اللازم، والانفتاح وقبول الآخر، والابتعاث، وغير ذلك كثير. لكن بقي في نظري المتواضع أمور لا تقل أهمية عن ما توفر. يأتي في مقدمة هذه الأمور: القوانين والأنظمة التي تدير وتقنن هذا الانفتاح والتحديث وتأسيس البرامج الجديدة. هل ما تم بجهود فردية يقوم بها مدير الجامعة، وبدعم من المسؤولين؟ أيوجد أنظمة قد سنت للتعامل مع الانفتاح الواسع الذي تشهده الجامعة. بمعنى آخر هل ما يتم الآن من حراك واسع في الجامعة جهد فرد ومعه أفراد، أم هو جهد مؤسسي؟ ماذا لو انتقل مدير الجامعة إلى موقع آخر هل سيستمر الزخم حتى يحين موسم القطاف؟ أم نعود نركض في الاتجاه المعاكس؟ في ظني أن الجامعة الآن تحتاج إلى منظومة إدارية وأكاديمية مصغرة لضبط التوازن، ومراقبة إنجاز المشاريع الضخمة. ورصد الخلل أو الاجتهادات الفردية. تحتاج الجامعة إلى إعادة النظر في القوانين والأنظمة الإدارية برمتها. أنظمة الجامعة سنت في زمن لم تكن تشهد هذا الانفتاح. وبالتالي تحتاج الجامعة إلى أنظمة تتوافق وتستجيب بمرونة هذا الركض المحبب. لا بد من سن قوانين جديدة تجعل كل ما يقوم به المدير الموفق بإذن الله عملاً نظامياً ملزماً لكل مدير جديد يأتي من بعده. ومن الأمور ما يتعلق بالبنية التحتية غير الأكاديمية في الجامعة. جامعة الملك سعود تضم حوالي 70.000طالب وطالبة، يضاف إلى هذا الرقم آلاف من الأطباء والفنيين والموظفين والعمال. هؤلاء يسكنون ويشكلون بلدة كاملة تدعى الحرم الجامعي وهو حرم يئن ويشتكي، ويشتكي معه ساكنه. وهو حرم يحتاج إلى مال كبير لتحديثه وصيانته. بدءاً من قاعات الدرس ودورات المياه وانتهاءً بمواقف السيارات. والسؤال ماذا ستعمل الجامعة للحيلولة دون وقوف هذه البنية المتردية عقبة في وجه البرامج الجديدة. ومن البنية التحتية غير الأكاديمية ما يسمى بالخدمات المساندة التي تقدمها الجامعة لعضو هيئة التدريس والطالب. كلاهما يعاني من قلة وتواضع الخدمات المساندة. وأضرب مثالاً واحداً. وهو سكرتارية الأقسام ووحدات الجامعة الأكاديمية مثل مراكز البحوث والمجلات والسجلات. ستعاني البرامج الجديدة مثل الكراسي العلمية وبرامج الأساتذة الزائرين لأنه لا يوجد خدمات سكرتارية تناسب الطموح المناط بهذه البرامج ولا أشك أن بعض البرامج ستتعطل أو ربما تتوقف لأن السكرتارية في الجامعة دون المستوى العالمي. ولن يقوم الأستاذ السعودي ولا الزائر بتحرير الخطابات وكتابتها وغير ذلك كثير. لا بد من توفر بنية بشرية متينة وعالية التدريب. ومن البنية التحتية غير الأكاديمية عدم توفر إمكانات تقنية عالية تتسق مع حكومة جامعة إلكترونية. وهي حكومة يجب توفرها الآن إذا كنا عازمين على نقل التجربة الأكاديمية العالمية. لا يكفي إنشاء الصناديق، ولا يكفي جلب العلماء عبر برامج نوبل أو غيرها. لا بد من أنظمة إلكترونية تكون متاحة للجميع. فضلاً عن بناء تقني يشمل كل الأقسام، ومرونة إدارية ونظامية تخدم تلك الأنظمة. ومن البنية التحتية غير الأكاديمية ما يسمى بالأمن النفسي لمنسوبي الجامعة وعلى الخصوص أساتذة الجامعة. لقد ران على هذا الأستاذ زمن عانى بسببه الأوجاع والمنغصات، ثم هو ركن إلى ما يشبه اليأس. وأصبح مدرساً لمقررات محددة. هذا الوضع لا بد من تغييره. لا بد من إحداث هزة كبيرة في وسط الجامعة. أرى أن عضو هيئة التدريس يحتاج إلى من يشركه في الحراك عن طريق الانتخابات الأكاديمية، وعن طريق إشاعة الشفافية في كل القرارات التي تطاله. وعن طريق الدفع به إلى الأمام من غير تقييدات بيروقراطية. وعن طريق مكافأته إذا أحسن. وتقليل الخوف من الأخطاء. لأن الذي لا يخطيء هو الذي لا يعمل. الركض إلى الأمام عمل جيد. ولكن قد يسقط الراكض إذا لم يتوقف ليأخذ قسطاً من الراحة. وليتأكد أن ما قام به يعمل بشكل جيد. أكبرت في مدير الجامعة شجاعته الأدبية وهو يقول إنه يتحمل الفشل في برنامج السنة التحضيرية. هذا أول الطريق الصحيح. المدير يروم التقدم بسرعة. وهو يعمل بسرعة. وهو يعمل على مدار الأسبوع وهذا يكفينا. ولكننا نريد له أن يمعن التفكير في تؤده. لأننا نخشى عليه من سلبيات الركض السريع. وهو يستطيع أن يلتفت الآن إلى بعض ما عليه البنيات التحتية غير الأكاديمية وهو يستطيع أن يوليها شيئاً من الركض. الحرم الجامعي والأقسام الأكاديمية ووحدات الجامعة تحتاج إلى نظرة. بل تحتاج إلى نظرات عاجلة من مديرها المفضال.