المتأمل في الحياة لابد أن يلحظ مدى صغرها، وسبحان الله العظيم مهما كبر الانسان يبقى تعلقه بوالدته بنفس القوة ان لم يزدد أكثر ان تقدم به العمر فلها سحر خاص وعشق دائم وعلاقة لا تنضب او تتوقف، لكن يا للأسف الشديد ان بعضهم يستصعب تناول الأم في مقال او قصيدة او غير ذلك ويقرن ذلك بعمره الزمني وخوفه من نقد الآخرين، وان تناول هذه الموضوعات لا يكون الا ايام الطفولة او المراحل المبكرة. خلال الايام الماضية فقدت احدى أعز قريباتي، هي بمنزلة الأم اذ كنا نناديها وباقي اخوتي ب (امي موضي)، فكانت دائمة الكد والبذل والعطاء كباقي الأمهات اللاتي عشقن تحدي الصعاب، لم تكن تكل ولا تمل من العمل المتواصل، أم كباقي الأمهات ترسم كل حروف الوله والترحيب وشوق اللقاء مهما كانت ظروفها الصحية، قل أن تجدها عابسة تشتكي او تفزع من حولها لتبوح ما بداخلها، انها ام كباقي الأمهات اللاتي رسمن أجمل صور الأمومة المملوءة بالعطف، والحنان والشفقة، عندما تراك تتحرك دواخلك وأحاسيسك قبل أن تسمع كلمة (يا.. هلا بك) وانت تدلف اليها للسلام حتى بعد ان كبرت، واعياها المرض وهد أركانها كانت تحدثك بما تستطيع من كلمات بسيطة حتى صعب عليها الكلام فكانت ترد كل كلمة بنظرة ملؤها الحب والعطف.. ترد بلغة العيون مبتهجة فرحة بمن حضر للسلام والاطمئنان عليها، وبالفعل كنا نلتقط ونفهم ما تقول من خلال عينيها والتمتمات التي تخرج وهذا ليس بلغز ولكنه تعبير عن مقدار الحب الذي نكنه وتكنه لنا انها ام كباقي الأمهات، رحلت لتترك الدنيا بكل ما فيها. في مثل هذه المواقف من الصعب ان تقاوم لحظات الفراق، ومن العسر ان لا يعتصرك الألم وتفضح عواطفك الدموع، وتتفجر بدواخلك الذكريات والأحداث الجميلة. ما اقصر هذه الدنيا..تفرحنا يوما وتحزننا يوما آخر، رحمك الله رحمة واسعة واسكنك فسيح جناته. تلك اللحظات والمواقف تذكرنا بصغر هذه الدنيا الزائلة، وتعيد لنا شريط الذكريات الطيبة وترسم أمامنا جمل الحب التي يجب ان تجمعنا وتربطنا بصفاء مع غيرنا، ويوثق علاقتنا النقاء، تلك رسالة لنا جميعا. وكما قال الشاعر العربي قديما: كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمول