لقد كثر القلق والتوتر عند الناس هذه الأيام مع سرعة انتشار الاخبار وكأننا نعيش في قرية صغيرة جدا لا عالم فائق الاتساع تفصله بحار ومحيطات وحوائط وفواصل من الصحاري والرواسي الشامخات، وايضاً من اختلاف في اللغات والعادات والتقاليد، فهذه ما يطلق عليها الآن دنيا العولمة، فلم يعد هناك ما يخفى من شيء عن بشر يقطنون مكان ما في الغرب او الشرق او عن آخرين في الشمال او الجنوب وهذا يرجع الى التقدم المذهل في الإعلام والاعلان بوسائله المتعددة التي لا تخفى ايضا عنا جميعا، ولا نعرف والله أهذه نعمة أم نقمة أم هي وجهان لعملة واحدة؟. لقد اصبح اكثر ما يشغل فكر الناس ويقلق بالهم هذه الايام هو الحوادث الناتجة عن الكوارث المصطنعة كالحروب المدبرة نتيجة الثأر والظلم والاستحواذ، او نتيجة الاهمال مثل الحوادث الفجائية المدمرة كحوادث الطرق والحرائق والهدم والغرق او ناتجة عن الكوارث الطبيعية مثل البركين والزلازل والفيضانات الكاسحة. لذلك أضحى وأمسى هم بعض الناس هو ان يعرف عن هذا الأمر ويسأل يا ترى أين مكاني مما يحدث من هذه البوائق والمحن؟.. هل أنا في مأمن من كل هذا؟.. وما الذي يجب أن أفعله لتلافي مثل تلك الحوادث والاحداث؟. ويجيب العلماء في مثل هذه الأحوال عن أخذ الحيطة والحذر والحلول في الحوادث المتسبب فيها البشر وايضا في حالات الكوارث الطبيعية عن هذا فمثلا يقول الجيولوجيون ان البراكين ليست لها تأثير في بعض الاماكن وان بعض الاماكن تقع في حزامها فيستريح البعيدون ويقلق القريبون وينزعج الواقعون في حزام الزلازل والفيضانات وغيرها، وتلك الاسئلة لا يكون الجواب فيها بالطبع قاطعا لأنه لا يعلم الغيب إلا الله واحده. وحقيقة لو فكرنا في الأمر وخصوصا في عصرنا هذا الذي يتسم بالنهضة العلمية التي لم يسبق لها مثيل لوجدنا انه في علم الجيولوجيا من الممكن من الناحية التحليلة للتربة يمكن لأهل الاختصاص الاجابة بسهولة لأننا كبشر يجب ان نتخذ الاسباب مهما كان والعلم أحدها، ولكن (فوق كل ذي علم عليم) وانه لا يعلم الغيب الا الله وحده سبحانه، إذن نعم للاجتهاد لا للقلق والكسل والانزعاج، نعم للعلم والفكر واسباب المعرفة فقد حثنا الله عليه ولنا في ذلك عبرة عندما أوحى الله سبحانه وتعالى الى سيدنا نوح عليه السلام أن يصنع الفلك بنفسه وهو القادر سبحانه أن ينزل له أسطولاً معداً من السماء، ولكن أمره الله تعالى لكي يعلمنا أن نسعى ونجتهد ونعقلها ونتوكل ولا نتواكل او نتحارب ولسوف نكون في عناية الله كما جاء في قوله تعالى (فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا) ويفهم من هذا الدرس ان العلم النافع منه بالذات والعمل والانتباه والحيطة واجبة. ولكن القصد من الموضوع هو يجب علينا إخواني وأخواتي في الله أن لا ننسى سنة الله في الأرض وأنه لا يحمي أولا وأخيرا من البوائق إلا الحق وإتباع الطريق المستقيم الذي أرشدنا إليه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو أنه يصيب الأمم بمعاصيهم ويسلط عليهم بها من لا يخافه ولا يتقه كالفجار والغشاشين من التجار والمنافقين وأصحاب البوائق والاحتيال وقد يمتحنهم الله أيضا بالكوارث التي نصنفها بالطبيعية كالبراكين والزلازل والحمم والفيضانات والمحن أعاذنا الله منها وحمانا جميعا نحن وولاة أمورنا وأولادنا وذوينا في كل مكان على وجه البسيطة. إذن لابد أن نعلم أيضا أن هذه سنة الله في الأرض، وكما ذكر في القرآن فيما معناه وما قوم لوط وعاد وثمود ومدين وفرعون واصحاب الأيكة عنا ببعيد، ولعل هذه العبر أسست في الصالحين من ساكني هذه الأرض منذ قديم الأزل الإيمان العميق بالله واتباع الحق وإحقاقه كما جاء في مواطن متعددة في القرآن الكريم (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين) (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) من هذا الرجل انه رجل حكيم عرف الله بقلبه وعقله ويتفكر في سنن الله الكونية، ويعني أن من يخالفها أي سنة الله في الأرض يأخذه الله على غرة أخذ عزيز مقتدر سبحانه جل شأنه كما جاء في كتابه الكريم منها (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون)، ويبدل الله هؤلاء بخلق جديد يؤمنون بالله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ولا يعملون الا ما أمرهم به الله، وبذلك فبالايمان والاعتدال، ودفع الباطن عن الناس ورفع الظلم عن المظلومين وبالاخلاص في العمل وبوسائل الدعوة الى الحق، والابتعاد عن الزور والبهتان كما أمر الله عز وجل رسوله عليه الصلاة والسلام بالطريقة الحسنى في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، وعندها يا إخوتي في الله يتحقق الأمن والأمان وتسكن الطمأنينة في النفس والجوارح التي لا تخشى بعدها شيء إلا الله وحده تبارك وتعالى وتقر الأعين ويهدأ البال ويهنأ العيش. (ربنا إن الظلم ظلمات، فباعدنا عن الظلم ولا تجعله من أدواتنا في الدنيا ولا من صفاتنا في الآخرة، وأرفع الظلم عنا إنا مؤمنون).