عندما مات الروائي البريطاني غراهام غرين عام 1991عن عمر ناهز التسعين سنة قال عنه الروائي السير ووليم غولدنغ "كان غراهام طبقةً لوحده، وسيقرأ ويُذكر كسارد لتاريخ ضمير وقلق رجل القرن العشرين". والحال أنه ليس عالم الأدب وحده من سيفتقد هذا الروائي الكبير بل أيضاً السينما وذلك لأن "غراهام" كان سينمائياً بامتياز فقد كتب العديد من السيناريوهات بشكل مباشر للسينما بل إن رواياته مكتوبة من الأساس وفق الأسلوب السينمائي الذي يجعلها جاهزة للتصوير من دون صعوبات تقنية. ولو عدنا إلى تاريخ علاقته مع السينما لوجدنا اسمه يقف خلف أفلام شهيرة مثل فيلم (الرجل الثالث-The Third Man) الذي أنتج عام 9491والمأخوذ عن روايته التي تحمل نفس الاسم. وكذلك مع روايتيه الأخريين (نهاية علاقة-The End of the Affair) و(الأمريكي الهادئ -The Quiet American) اللتين حولتا إلى السينما بنجاح كبير في مناسبات عدة. رواية (الخاسر ينال كل شيء-Loser Takes All) التي نشرها "غراهام" في العام 5591تحكي قصة السيد "بيرتراند" المحاسب البسيط الذي يتعرض لإغراء يجعله ينسى أهم الأشياء في حياته. تنطلق أحداث الرواية من لندن من مقر الشركة التي يعمل فيها "بيرتراند" حيث يُستدعى للقاء مالك الشركة في اجتماع عملٍ ينتهي بأن يُعرض على "بيرتراند" أن يسافر فوراً إلى شاطئ مونتي كارلو لكي يتم زواجه من حبيبته "كاري" على نفقة مالك الشركة. وعند وصوله إلى هناك يجد أمامه صالات القمار التي تستفزه وتقوده إلى المغامرة ولأنه صاحب منطق رياضي صرف فإنه يقدم على التجربة لينسى بعد ذلك زواجه وحبيبته وكل شيء له معنى في حياته. الرواية كتبت بأسلوب وصفي جميل يرسم الصورة بوضوح ويتابع حركة الشخصيات دون الغوص في الأعماق، ورغم أن موضوعها يعطي مجالاً للخوض في الجانب النفسي مثلما فعل العبقري "ديستوفيسكي" في قصته الشهيرة "المقامر"، إلا أن غراهام يفضل روح البساطة والتسلية ويتفرغ لصناعة الفضاء الروائي برشاقته المعهودة، ومع ذلك لا يترك تضميناته التي تلمس من بعيد أفكاراً مؤرقة كعلاقة العلم بالإيمان من زاوية الرجل العصري الذي يفضل لغة الأرقام ويقدمها على كل ما لا يراه. وقد تحولت الرواية إلى السينما في مناسبتين فقط أولاهما كانت عام 6591في فيلم بريطاني يحمل نفس الاسم والثانية في العام 0991في فيلم أمريكي متواضع بعنوان (Strike It Rich) من إخراج جيمس سكوت.