أزمة ثقة تضرب في أعماق كثير من الأسر السعودية، يتجلى ذلك في كثير من الصور، منها على سبيل المثال، حين يضرب بعض الرجال كفاً بكف حين تضطرهم الظروف للغياب عن المنزل، فتجدهم يسألون ما الذي تلف أو يوشك على التلف؟، وما الذي نفد من مخزون الطعام وما الذي يوشك على النفاد؟، ومن الذي مرض ومن الذي لديه قابلية للمرض؟، والمسارعة بتسديد فواتير الخدمات على غير المعتاد مع وضع رصيد في حساب مقدم الخدمة على الحساب. ازمة الثقة هذه تواصل المسير مع الأسرة خارج المنزل كتحصيل حاصل لما كان يحصل داخله، وذلك حين تخرج الأسرة من المنزل ولا تسمح ظروف الأب مرافقة الأسرة أو لوجود تعليمات تمنع دخول العائلة سوياً، حينها تجد الأب شارد الذهن كثير الاتصال والاستفسار عن آخر التطورات والمستجدات وكأن الأسرة خرجت لشن معركة حربية في عقر دولة أجنبية، ولتتضح الرؤية أكثر نشاهد في طريق النهضة ليوم الجمعة كيف أن إخوتنا الوافدين هم المستفيدون الوحيدون من تلك الخدمات التي كلفت الأمانة الكثير، فاضطرت حين رأت أن الأسرة السعودية في واد وهي في واد آخر للشروع بإجراء جراحة عاجلة لبعض الحدائق عسى أن تعود بالفائدة للأسرة السعودية ولو مشياً. ولكون أزمة الثقة وباء فكان ان انتقلت من الآباء في مواضع الى الأبناء في مواضع أخرى، فنجد حين يصبح من الضرورة بمكان تحديد موقف هذا الشاب زواجاً من تلك الفتاة رجوعاً مخيباً للآمال يتبعه بقول: إن هذه الفتاة التي فتحت قلبها لي سوف تفتحه لغيري!، الحقيقة إن هذا الشاب بهذا الرجوع يترجم حرفياً ثقافة انغلاقية مبنية على الفصال والتباعد المورثة للشك والريبة بالجنس الآخر. السؤال الجدير بالطرح، من المسؤول عن أزمة الثقة التي تعيشها الأسرة السعودية؟ الجواب: هم الذين يغذون بطرق احترافية الانغلاق والفصل المبالغ فيه والجائر بين الجنسين، الفصل المانع لزرع الثقة ولتطور النمو الطبيعي لدى الجنسين عن طريق الإحساس بوجود الآخر متعايشاً معه، كما هو مع العائلات حين تمنع من دخول مدن الترفيه وحديقة الحيوانات وغيرها. الضحية الأولى لأزمة الثقة الأسرية هي المرأة حيث إنها منذ طفولتها موضع اتهام على الدوام، يردد أن منشأه الخوف عليها لا لشيء آخر!، حتى أصبحت المرأة حينما زاد الشيء عن حده محل شك وريبة لمجرد كونها تمشي بالشارع لوحدها!، وانتقلت هذه المعاملة الجافة والمريبة الى الدوائر الحكومية عسكرية كانت أو مدنية كنتاج حتمي لفكر منغلق ضرب بأطنابه مكونات المجتمع، فكر ينظر للمرأة على أنها جسد بلا عقل تستطيع من خلاله أن تدير شؤون حياتها حتى عند الضرورة فكان التحذير ليل نهار من قنبلة موقوتة شديدة الانفجار تسمى المرأة مما يوجب إبعادها عن الرجل عشرات الأميال. ولأن الانغلاق فكر نجد أن هناك من لا يفرق بين الفئة الضالة القاتلة المكفرة المفجرة وبين من يسعون إلى الاعتدال والوسطية! يطرق لها أكثر من دلالة ومغزى، ويتجلى عدم التفريق هذا حينما يضطر للإجابة، فيقول: علينا أن نقف بمواجهة الفئة الضالة والتيار التغريبي الإفسادي على حد سواء، وحين تتمعن في ما بين السطور والكلمات تجد أنه قد خلط خلطاً عجيباً حين قرن ما يعاني منه الوطن من إرهاب بأوهام ليس لها وجود إلا في مخيلته، ونزداد عجباً حين يقوم بعملية التفاف فيشير بشكل سريع وغير مباشر الى ان احتفالات الرياض العائلية بالأعياد تغريبية وإفسادية!، فأصبح حسب ميزانه الظالم الذي يقتل النفس كالذي يصنع الفرح!، أي إفساد وأي تغريب هذا الذي يتكلم عنه في وطن دستوره القرآن الكريم والسنة المطهرة وحكامه يحكمون فيه بشرع الله تعالى ويفاخرون به؟! ختاماً، فات على هذا الأخ وممن سار على نهجه المنغلق أن خلطه هذا خلط مرحلي مضطر له، معروف الأسباب والدوافع ومكشوف الأهداف والمرامي من قبل ولاة الأمر الذين رأوا أن لكل حادث حديث مؤملين بالوقت نفسه بكل أبوة وأخوة حانية تجمع الحاكم بالمحكوم أن تكون هناك مراجعة صادقة للنفس وعودة سريعة للاعتدال والوسطية، وما يصح إلا الصحيح.