زمن عجيب، وغريب، تلتبس فيه الأشياء، وتختلط المفاهيم، وتكثر الدعاوى، والادعاء، وتُعطى النكبات والويلات صفات مغايرة ومعاكسة، ويُضفى عليها هالات وردية الألوان، وتبرَّر الخطايا باستخفاف، وتسطيح، وتحوَّل الأخطاء إلى فعل تاريخي في فن الاستراتيجية، والفهم، وتوظيف العقل، وتشخصن قضايا الأمة ومصائر الشعوب، وتكرس من أجل خدمة الزعيم، والحزب، والشعارات الجوفاء العقيمة والبليدة، وتأخذ من هموم الأمة، وأوجاعها، وإحباطاتها قميص عثمان من أجل الهروب من مشكلات أنظمة العسكر، والأنظمة الراديكالية والشمولية، وفك عزلتها، وتسويغ إجرامها. هكذا نحن في هذا الشرق التعيس، والمريض، شرق البلادة، والنرجسية، والشوفينية، والمذاهب، والقبائل، واغتصاب كرامة الإنسان، وتحويله إلى كائن ببغائي لا يعرف من مفردات اللغة إلا "بالروح، بالدم، نفديك...."، ولا يفهم من ممارسة المواطنة إلا التصفيق للزعيم الأوحد الصنم، والحزب الإلهي، أو غير أيديولوجيا، ولتكن سياسية، والانسياق اللاطوعي، بل بالإكراه، والخوف، وهاجس المعتقلات، والتصفيات، والاغتيالات، إلى تأليه وتصنيم الفرد الكرسي. ليس هذا فحسب. تجاوزنا كل هذا العهر الفاضح، واستغباء عقل الإنسان، وتجهيله حتى وظفنا الخرافة والأسطورة، واستدعينا الغيبيات والمعجزات التي لا تصح إلا للأنبياء، وجعلناها مبرراً ومسوغاً لخطايانا المميتة، وأصدرنا الكتيبات البليدة والمضحكة لنكرس قولبة وتنميط وأدلجة عقول الناشئة، والأجيال، وقلنا إن الشجر والحجر قاتلا معنا..!؟ هذا هو شرقنا، شرق الظواهر الصوتية، وشرق الخرافة، والمعجزة، والجهل. بعد حرب 2006على لبنان، والتي فقدنا فيها ألفاً ومائتي قتيل من مواطنين يريدون، ويعشقون الحياة، ويحلمون بمستقبلات جيدة ورائعة لأبنائهم في التعليم، والإنتاج، وفعل المعرفة والتنوير، وفي حرب كانت خسائر لبنان فيها أكثر من خمسة عشر مليار دولار أميركي طالت البنية التحتية، والمرافق التعليمية والصحية والاقتصادية، وهجّر حوالي مليون وخمسمائة ألف مواطن من الجنوب اللبناني إلى مناطق لبنانية في بيروت، والشمال، بدلاً من استقبال لبنان لمليون وخمسمائة ألف سائح يضخون في الاقتصاد اللبناني المنهار والمتهالك والمتداعي ملايين الدولارات فيعيش المواطن من بائع الخضار إلى سائق التاكسي وحتى صاحب الفندق، والمتجرفي بحبوحة بدل هذه الحرب العبثية المفتعلة (الكل يعرف لماذا هي مفتعلة، ومِن مَن..؟؟) بعدها خرج علينا حسن نصرالله في مهرجان الضاحية الجنوبية ليقدم للعالم "الانتصار الإلهي"..!؟ وبعدها يتحول إلى قلب بيروت - الصامتة - ليحتلها باعتصامه. وأمس، أمس القريب، وبعد افتعال مشاكل غزة "المصادرة" بفعل إلهي آخر، وبعد مقتل أكثر من مائة وعشرين وتجويع وتشريد المئات. خرج علينا محمود الزهار ليتحدث عن "الانتصار". نحن نعيش عصر عهر المفاهيم..!؟