بعد اغتيال الرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري هاتفني أحد الأصدقاء وهو يبدي القرف والامتعاض بقوله: يا إلهي حتى كوارثنا أصبحت بلا معنى. أي أننا كنا نفهم أسباب الكوارث وتكون انفعالاتنا بحجم تلك الأسباب ونتائجها ولكننا اليوم وفي غياب العقل العربي وتحوله إلى حيوانية عمياء لم نعد نفهم أو نفسر أسباب تلك الكوارث. فاغتيال الحريري هو يشبه إلى حد ما إطلاق النار في بغداد من قبل (مجهولين) على مجموعة من الناس تقف أمام أحد الأفران للحصول على لقمة الخبز. أي أن الفعل سخيف والسبب مهما كان يعتبر سخيفاً وكذلك النتيجة المحزنة التي لا نستطيع أن نجد تفسيراً لها. فرفيق الحريري مثلاً هو ليس أحد أقطاب الحرب اللبنانية وليس (بلطجياً) وليس تاجر حرب وليس بائع سلاح وليس قاتلاً مأجوراً وراء حزب أرعن يقتل لمن يدفع، كذلك لم يكن مثل أغلب سياسيي لبنان له قناصوه ومقاتلوه و(زعرانه) بل ان كل ما فعله الرجل في حياته أنه نشأ فقيراً وجاء إلى المملكة بحثاً عن العيش الشريف وعمل في التدريس ثم انتقل إلى المقاولات وحينما فتحها الله عليه تدخل في لقاء الطائف الشهير وحاول حقن دماء بني شعبه وبعدها أعلن أنه يضع جميع ثروته الشخصية في سبيل إعمار بلده لبنان وحينما ساهم بضغط من شعبه في الحكم كان يرسل الطلبة وينفق على فقراء شعبه بلا حساب.. ولم يكن الحريري طوال حياته حزبياً أو محسوباً على حزب معين إلا (حزب لبنان) أي أنه ينتمي إلى لبنان فقط ويعمل من أجل اعماره ومن جيبه الشخصي. ومن هنا فإن اغتيال الحريري هو اغتيال للفكر العربي والضمير العربي وأثبت لنا جميعاً أننا أمة بلا عقل ولا ضمير أيضاً. وأننا الأمة الوحيدة التي تنتقي خيرة رجالها لتأكلهم وبلا سبب ولا مبرر ولا مسوغ وذلك لكي تدخل فقط إلى دوامة الأزمات لأنها أمة لم تعد تستطيع العيش بلاأزمة، بل ان أزماتها أصبحت أزمات بلا عقل لأنها مفتعلة من أزمة بلا عقل.