ما الذي يجري في فضاءنا الالكتروني ؟ كيف هي صورتنا ومن يرسمها ويختار ألوانها ويثبت إطارها؟ تتصفّح الانترنت بحثا عن شعاع ضوء أو بريق أمل لحياة أفضل وعلاقات اجتماعيّة أكثر تسامحا بين شرائح جيل قادم فماذا تجد؟. النتيجة السريعة تقولها شواهد محتوى غالب مواقع ومنتديات شبكة الانترنت العربيّة التي تظهر صورة المجتمع وعلاقاته بصورة (سوداويّة) تدعو للسؤال وقبل ذلك الحزن والحيرة. تُرى ما الذي صيّر مجتمعنا بهذه الحال الالكترونية من التشرذم والتكاذب وتصيّد العثرات وتضخيم الهفوات؟ هل يجوز أن تُختصر كل حياتنا ومنجزنا الثقافي في صراع الكتروني يومي بين تيارات فكريّة وتنظيمات (شلليّة)؟. المؤكد أن ساحات الصراع الفكري العربي حولت جمال المشهد الإعلامي والثقافي (الكوني) على شبكة الانترنت إلى مسرح (عبثي) (يتفرّج) على عروضه الرديئة كل سكان الأرض. هل يعقل أن ننصرف عن فضيلة الحوار إلى نقيصة الاحتراب والتشاتم كما يتبين من محتوى بعض المنتديات التي يعرفها مجتمع الشبكة وكأنها ما أنشئت إلا لإحياء المزيد من الشقاق الاجتماعي. على هذه المنصات الجديدة ظهرت واشتهرت أسماء تخصصت فقط في كشف المستور الاجتماعي والثقافي لا لعلاجه بل لتعرية المجتمع و تسويد بقيّة النقاط البيضاء في صورتنا الالكترونيّة . تأمل كيف تتخندق كل قبيلة فكريّة أو طائفيّة أو إقليميّة وراء أبواب هذا المنتدى أو ذاك الموقع؟ واصل (الفرجة) لترى كيف تشتعل معاركهم من خلف متاريس الأسماء المستعارة، وكيف ترفع رايات الإقصاء بينهم وكل يدعي هدفا نبيلا يبتغيه. ولأجل مقارعة طواحين الهواء ستشاهد كيف تتبارى فرق يوميّة تابعة لهذا الفصيل أو ذاك مهمتها الوحيدة تتلخص في تحقيق مكاسب ثمنها راحة مجتمع وتسجيل انتصارات يدفع حساب فاتورتها وطن يتناوبون على شن الغارات عليه وهم يتبادلون الاتهامات بالتخوين والترهيب والعمالة. ومكمن المشكلة - أخلاقيا وحضاريا- هنا أن المثقف كان وما زال يشكو سلطة الإعلام الرسمي وثقل ظله ونسمعه دائما يعزو سبب تردي الأحوال الثقافيّة وضعف العلاقات الاجتماعيّة إلى هيمنة الرسائل الإعلاميّة (السلطويّة) على المشهد الاتصالي طوال عقود. والعجيب أنه حينما أتت الشبكة العنكبوتيّة كوسيط إعلامي حر ومنحت هذا (الفرد المثقف) لأول مرّة في تاريخ الاتصال (كل الحريّة) ليقول ويكتب ويبث ما يشاء رأينا حجم النتائج الكارثيّة التي صنعتها حريّة المثقف التي طالما تعاطفنا وطالبنا بها معه. هاهو الواقع يقول أن صورتنا أمام العالم اليوم هي (صناعة ومنتج) من ملكوا أدوات النشر الالكتروني الحر، وهؤلاء ليسوا غرباء عنّا بل هم من أهلنا و منهم بعض مثقفينا. وبهذه الصفة - كما لاحظنا- فهم وحدهم الذين امتهنوا رسم وتعزيز جوانب الصورة الكئيبة لثقافتنا وعلاقاتنا الاجتماعيّة. هل لنا أن نسأل عن سر حماس بعضهم لضخّ هذا الكم اليومي الهائل من التناقض الفكري والصراع الاجتماعي على شبكة هي ملك وشاشة سكان الأرض كلهم؟ المأساة أن من يرصد هذا الواقع المعلوماتي يجد أن نسبة مهمة من محتواها السوداوي السبب والنتيجة يتوزّع عبر عشرات بل مئات المواقع التي يديرها ويشرف على حواراتها مجموعة يُحسبون على أهل النخب الفكريّة. فهل هم حقا ينشدون الإصلاح والتنوير ، وهل تحقق شيء من ذلك بعد قرابة عشر سنوات من عمر شبكة الانترنت في بيوتنا. مسارات قال ومضى: أخطاء الماضي مضت ولا يمكن إصلاحها ولكن بيدك وحدك ألا تكون (أخطاء غدك) جزءا من ماض لا يعود (بعد غد).