يفضل قبل بدء الاستثمار أو المضاربة على سهم أي منشأة معرفة قدرتها المالية، وذلك بتمحيص قوائمها المالية، خاصة مركزها المالي مع التركيز على النقد، الأصول الجارية، والخصوم الجارية، والتي منها يمكن استخلاص رأس المال العامل، معدل السيولة النقدية، ومعدل السيولة الجارية. رأس المال العامل، السيول النقدية، والسيولة الجارية في أي منشأة بمثابة الدم الذي يجري في شرايين الجسم، الذي في حال توقف يحدث خلل في القلب ويطال الجسم بأكمله ما لم يتم تشخيص الأعراض بأسرع وقت ممكن وعلاج الخلل. ومع أن بعض المنشآت تعتمد بشكل كبير على رأس المال المادي مثل مصانع السيارات والشركات العقارية الكبرى، يحتل العنصر البشري أهمية قصوى في البعض الآخر مثل شركات الخدمات والبحوث التي يركز فيها رأس المال العامل على مثل هذه الأصول. وعندما ينخفض حجم السيولة في أي منشأة من الفئة التي تعتمد على السيولة، أي الفئة الأولى، دون الحد المسموح، تصبح عاجزة عن التطور أو التوسع، وينكمش نموها لأنها في مثل هذه الحالة تكافح من أجل البقاء، وتصبح غير قادرة على الاستثمار، وربما وصلت بها الحال إلى عدم القدرة على مواجهة التزاماتها التشغيلية، وتتحول من منتجة للنقد إلى مستهلكة له. فمصنع يمر بمثل هذه الحالة، يصبح غير قادر على تمويل متطلباته من المواد الأولية أو المخزون الاستراتيجي من المواد الخام اللازمة لاستمراره في أداء أعماله الأساسية، وفي المحصلة تتراكم عليه مصاريف عديدة بدءا بمرتبات العاملين وانتهاء بالإيجارات. وفي حالات الأسواق المركزية، ومحلات بيع التجزئة، تتراجع المبيعات وتصبح هذه المنشآت عاجزة عن تلبية احتياجات عملائها بسبب النقص في المخزون من البضائع الذي تقلص بسبب انكماش السيولة. حين تبدأ مشاكل النقد لدى أي منشأة، ربما تلجأ إلى الاقتراض، ويترتب عليها الكثير من المشاكل، فالقروض في مثل هذه الحالات غير محمودة، لأن المنشأة تقترض لتغطية التزاماتها لا للتوسع أو الاستثمار، وتوصف المنشأة في مثل هذا الوضع بأنها تحرق النقود، أي أنها تستهلك، بل من المحتمل أن تتعرض لكوارث قد تجرها إلى الإفلاس. المثال البسيط التالي لمصنع حلويات صغير، يهدف إلى توضيح أهمية النقد وكذلك إدارة رأس المال بطريقة صحيحة وسليمة. رأس المال العامل لمصنع حلويات صغير 10آلاف ريال سعودي، ويبلغ معدل متطلبات المصنع اليومية من المواد الأولية: السكر، الدقيق، الزيت، الهيل، اللبان، ماء الورد، ومواد إضافية أخرى نحو ألفي ريال، أي أن رأس المال العامل لهذا المصنع الصغير يكفي لتغطية احتياجاته اللازمة من المواد الأولية لأيام خمسة فقط، فلو أن المصنع بدأ البيع بالآجل لمدة أسبوعين، فالمصنع مقدم على كارثة لا محالة، ولو باع بالآجل لأيام عشرة، فسوف يعاني كثيراً، والأفضل لمثل هذا المصنع أن يبيع بالنقد كل ما كان ذلك ممكناً، وأما مدة الآجل المقبولة لمثل هذا المصنع إذا كان لابد له من البيع بالآجل فهي ثلاثة أيام، والمدة الحرجة أربعة أيام، شريطة أن تكون لدى المصنع جميع الضمانات لتحصيل مبالغ الآجل في وقتها المحدد، وبذلك يضمن هذا المصنع الاستمرارية على المدى البعيد، ولكنه لن يحقق نمواً بالمفهوم الصحيح، بل سيظل إنتاجه محدوداً. يمكن معايرة السيولة النقدية لدى أي منشأة من مركزها المالي، باستخلاص ثلاثة بنود هي: النقدية وما في حكمها، وهي أول البنود على قائمة الأصول الجارية، وبعد ذلك نبحث عن إجمالي الأصول الجارية، ومن ثم إجمالي الخصوم الجارية، ومن هذه البنود الثلاثة نستطيع الحصول على رأس المال العامل للمنشأة وهو الفرق بين الخصوم الجارية والأصول الجارية، أيضاً بقسمة النقد على الخصوم الجارية نحصل على معدل السيولة الحادة أو السيولة النقدية، وبقسمة الأصول الجارية على الخصوم الجارية نحصل على معدل السيولة الجارية، وكقاعدة عامة يجب أن لا يقل معدل السيولة النقدية عن 50في المائة أو نصف الوحدة، ومعدل السيولة الجارية عن 100في المائة أو الوحدة، يستثنى من معدلات السيولة البنوك والمنشآت المالية. يسمح بمعدلات سيولة دون الحدود الدنيا في حال كانت المنشأة تقترض من أجل الاستثمار، التوسع، أو تطوير منتجاتها، الشرط الوحيد هو أن يكون مردود القرض أكبر من تكلفته، مثلاً لو أن المنشأة تقترض بسعر 3.25في المائة، ومردود القرض أكثر من ذلك، مثلاً 5في المائة.