قصر نظر العين هو إمكانية رؤية الأشياء القريبة وعدم التمكن من رؤية الأشياء البعيدة بوضوح تام، ولكن هناك حلول لذلك ولله الحمد فالنظارات الطبية والعدسات اللاصقة وحتى عمليات الليزك بإمكانها تعويض النقص، ولكن عندما يصبح المدير أو المسئول قاصر النظر فيما يتعلق بالقرارات والأفكار فتلك كارثة قد تعصف بالمنظمة أو الشركة إلى الهاوية وبكل هدوء وبدون شعور، وبالتالي يصبح قصر النظر عدو الإدارة والاقتصاد، فهل هناك حلول لذلك؟ المتتبع لبعض القطاعات الحكومية والخاصة في المملكة يدرك تماما ما نعاني من خلل جراء القرارات السريعة والعشوائية أحيانا والتي من الممكن أن نطلق عليها وبكل اقتدار إدارة الأزمات أو ما يسمى Crisis Management، فتلك الإدارة مبدعة في معالجة الأزمة عندما تحدث ولكن لا يوجد حلول جذرية لإنهاء المشكلة، أحد أهم فنون الإدارة هو التخطيط بمعنى يجب أن لا يتم اتخاذ أي قرار بدون دراسة تبعاته. في سوق الأسهم على سبيل المثال تم إصدار العديد من القرارات والإجراءات الايجابية في السابق والتي كان تأثيرها وقتياً مثل قرار التجزئة وعدم معاقبة المتلاعبين في السوق لفترة معينة والسماح بدخول المستثمر الأجنبي المقيم في السوق، ولكن هل أوقفت تلك القرارات نزيف السوق المستمر؟ سوق الأسهم يبحث عن معنى حقيقي لكلمة شفافية وإفصاح والتي للأسف لم توضح بشكل دقيق حتى الآن. سوق الأسهم كان يحتاج إلى وقفة صارمة قبل حدوث الانهيار، يحتاج إلى معاملة المستثمر الصغير كما يعامل أكبر مستثمر في السوق، يحتاج إلى عدم تضارب المصالح فيما يخص القرارات التي تتعلق بالسوق وتهم فئة معينة دون الأخرى، يحتاج إلى أن يتحمل كل شخص مسئوليته فلا نرمي التهم بشكل عشوائي، يحتاج إلى أن يقال للمحسن أحسنت وللمسيء أسئت، هذا إن كنا نبحث عن حلول تكون فعالة في المستقبل أما إغماض العين وعدم المصارحة وعدم معاقبة المتسبب فذلك سيزيد من المشكلة وستبرز مشاكل في المستقبل أكثر إذا تغير الوقت والظرف وندور في حلقة فارغة. على مستوى المتاجر والمحلات، تجد أن الغالبية لدينا تحرص على دفع السلعة للعميل بغض النظر هل العميل يرغب السلعة أم لا وهل العميل تقبلها، لأن الهدف هو الربح السريع وتنسى تلك المتاجر والمحلات للأسف أن العميل قد يشتري السلعة ولكن السؤال المهم هل يعود العميل مرة أخرى إلى ذلك المتجر أو المحل في المستقبل؟ إن عملية المحافظة على العميل أهم بكثير من استقطاب عملاء جدد وأثبتت الدراسات أن تكلفة العميل الجديد تعادل خمسة أضعاف العميل الحالي، في أحد المتاجر الأوربية على سبيل المثال لفت انتباهي جملة في غاية الروعة وهي: نحن نبيع المصداقية والثقة كما نبيع المنتج والخدمة، وهذا ما يجب أن نبحث عنه، ليس المهم أن يشتري العميل، وليس المهم رقم المبيعات، المهم الثقة والمصداقية ولا يمكن لذلك أن يتحقق ألا بوجود خطة طويلة الأجل لا تهدف للربح السريع والمنقطع. على مستوى الرياضة والأندية في المملكة مثلاً، هناك أندية تكرم اللاعبين بعد نهاية المشوار وهناك أندية تتجاهل لاعبين كبار خدموا النادي والوطن، فكيف تريد للاعب ما أن يرى هذا التباين ومن ثم يختار، فبالتأكيد لن يذهب إلا لذلك النادي الذي يكرم اللاعب ويحرص على أبناؤه تماما كالموظفين في الشركات، فالموظف الذي يرى أن الشركة تتفانى من أجلة سيكون ولائه أكبر وسيعمل بروح أقوى، ولكن للآسف قصر النظر يحجب الرؤية وتنعكس الأمور ويصبح الحق باطل والباطل حق. الفرق بين الإدارة الإستراتيجية والتكتيكية، هي أن الأولى تنظر للأمور بشكل أشمل وتبني القرارات على المدى البعيد بعكس الإدارة التكتيكية التي تتفاعل مع الأحداث بشكل مؤقت وتكون الحلول مؤقتة ولا تهتم للمستقبل، فهل حان الوقت لنفكر في الأجيال القادمة وأن نتخلى عن النظر في الأمور القصيرة والتي تهمنا فقط لكي نستطيع أن نبني جيلاً يستفيد من الأخطاء السابقة ولينطبق عليه المثل القائل (لولا الفشل لما عرفت النجاح)، أتمنى ذلك..! @ رجل أعمال وأستاذ الإدارة والاقتصاد وعضو جمعية الاقتصاد السعودية