بدأ المصنعون للبتروكيماويات في قارة آسيا الاستعداد لمواجهة تحديات كبرى خلال العام الحالي 2008م بصورة لم يسبق لها مثيل في الأعوام الماضية وتتمثل بشكل رئيس في ارتفاع تكلفة المواد الخام ولقائم التغذية التي ترتكز عليها هذه الصناعة وذلك في أسواق متنامية الأطراف تشهد أكبر طلب على تلك المواد بشكل رائج جداً لا يتوقف في الوقت الذي تتأهب فيه القارة خلال النصف الثاني من العام لضخ طاقات هائلة من الألوفينات ومشتقاتها وأبرزها الإثيلين والبروبلين والميثانول والستايرين والبيوتادايين والتي يقوم إنتاجها على خامات التغذية الهيدروكربونية مثل الميثان والأيثان والبروبان والبيوتان والنافثا الخفيفة والتي تشكل في الواقع القاعدة الرئيسية لمعظم المنتجات البتروكيماوية اللازمة لصناعة تشكيلة واسعة ومتنوعة من السلع الصناعية والاستهلاكية. وتشير تقارير أطلع عليها "الرياض الاقتصادي" بأن الإنتاج العالمي للإثيلين سوف يشهد ضخ طاقات جديدة تبلغ سبعة ملايين طن متري خلال عام منها ستة ملايين طن متري سوف تضخ في الشرق الأوسط فقط ، فضلاً عن ضخ طاقات إضافية تبلغ (5.4) مليون طن متري خلال عام 2009م والأبعد من ذلك ستشهد القارة ضخ طاقات أخرى مجدولة تبلغ (14.3) مليون طن متري من المخطط بدأ إنتاجها عام 2010م منها (6.5) ملايين طن من المجدول ضخها في الصين. وعلى الرغم من هذه الطاقات الضخمة التي تمثل أكبر انفتاح يشهد التاريخ في إنتاج البتروكيماويات إلا أن المنتجين لا يزال يساورهم قلق كبير في مشكلة ارتفاع تكاليف المواد الخام التي قد تؤثر سلباً على تدفق تلك الطاقات الأمر الذي سينتج عنه إرباكاً في الخطط الموضوعة مسبقاً خاصة وأن كافة الصناعات الجديدة التي تتأهب لتدشين إنتاجها خلال العام الحالي والعامين التاليين في القارة الآسيوية النشطة لم تضع بالحسبان مسبقاً مسألة تطاير أسعار وتكاليف المواد الخام إلى هذه الدرجة المخيفة التي سيترتب عليها الكثير من الخسائر. ومن المعلوم أن تطاير أسعار النفط تلقي بظلالها سلباً على أسعار الخامات المغذية للبتروكيماويات حيث أن 90% من أسعار النافثا ترتبط مباشرة بأسعار النفط وارتفاع أسعار النافثا بدورها تؤثر على أسعار الإثيلين وترفع تكاليف إنتاجه وهذا ما دفع بعض المصنعين البتروكيماويين في العالم المتخصصين بالإثيلين إلى الوضع بالحسبان أهمية تملك وحدات تصنيع النافثا لتقليل التكاليف. ولذلك فقد أصبحت مسألة إدارة المخزون لدى الشركات المصنعة سواء في خامات التغذية أو المنتجات النهائية أكبر تحدي يواجهه المصنعون خلال عام 2008م مع تراجع حجم التصدير لأوروبا وأمريكا والتي تشهد فتور مؤقت بالنسبة للواردات الآسيوية حيث تبدي الصين قلقاً جراء فترة الركود المتوقعة خلال العام الحالي 2008م بالنسبة للأسواق الأمريكية التي تعتمد عليها الصناعات الصينية والتي من المتوقع أن تنخفض بنسبة 10% مقارنة مع ارتفاع بلغ 11% خلال عام 2007م مما سيحدث نوع من التأثير على اقتصاديات الصين إجمالاً. وبدأت أولى بوادر تحديات ارتفاع تكاليف الخامات المغذية للبتروكيماويات في لجوء بعض المصنعين لخفض معدلات التشغيل ومن أبرز أمثلة ذلك الارتفاع الكبير الذي حدث لأسعار البيوتاديين الذي يعد الخامة المغذية لمادة (ستايرين بيوتاديين ربر SBR) و(ثيرموبلاستيك يليستومر TPE) و(ستايرين بيوتاديين لاتكس SBL) حيث هدد المصنعون لتلك المواد الهامة في خفض طاقاتهم الإنتاجية نتيجة عدم استطاعتهم قبول ارتفاع تكاليف البيوتاديين التي بلغت الذروة مطلع عام 2008م التي حلقت لتصل إلى (1.900) دولار ما يعادل (1.292) يورو للطن تخليص شمال شرق آسيا وبارتفاع كبير جداً بزيادة بلغت (600) دولار للطن عن أسعار شهر نوفمبر عام 2007م عندما كانت الأسعار تحوم حول (1.300) دولار للطن مما حد بالمستخدمين النهائيين للمنتج في ذلك الإقليم إلى التكاتف لمقاومة هذه الأسعار غير المقبولة والمبررة وذلك برفضهم أي عروض تزيد عن مبلغ (1.800) دولار للطن. وقد تابعت "اقتصاديات التصنيع" ردود الأفعال الغاضبة من المنتجين للمواد التي تستخدم البيويتاديين لقيماً جراء هذه الزيادة الكبيرة معتبرين أن أي أسعار تفوق حد (1.800) دولار للطن تعد ليست عملية إطلاقاً حيث تؤثر قطعاً على الهوامش التي سوف تنكمش بشكل قاسي جداً ومعلنين في الوقت ذاته بلجوئهم إلى خفض معدلات تشغيل مصانعهم في حال استمرارية الأسعار في الارتفاع. وقد علق أحد أكبر المستخدمين للبيوتاديين بعدم استطاعته امتصاص ارتفاع تكاليف البيوتاديين خاصة وأن أسعار المنتجات القائمة على المنتج بدأت في التراجع وبالأخص في الصين في الوقت الذي يلمح بعض المستخدمين الصينيين إلى أن أسعار البيوتاديين سوف تنخفض عندما يقل الطلب ويزداد العرض من خلال استقبال طاقات وحمولات من خارج الأقليم. ويتوقع أن يضخ في القارة الأسيوية طاقة 40ألف طن من البيوتاديين الأوروبي والأمريكي خلال شهر مارس القادم وحتى شهر أبريل فيما تشير الدلائل إلى سعي التجار عن البحث عن مستهلكين لهذه الطاقة مما يعنى بحدوث نوع من وفرة في العرض الأمر الذي سيدفع بالأسعار القياسية للبيوتاديين للانخفاض حتماً. وفي الأوساط اليابانية علق بعض التجار إلى أن أسعار البيوتاديين من المحتمل ألا تشهد أي زيادات إضافية في الوقت الذي يبحث فيه عن زبائن للحمولات التي سترده من أوروبا الشهر القادم ومشيراً إلى أنه ليس من المفيد للسوق أن ترتفع الأسعار بشكل حاد ثم تتهاوى في حال امتناع المستهلكين عن الشراء ومن الأفضل أن تحافظ الأسعار على مستوى ثابت ومستقر بما يرضي كافة الأطراف ولا يؤثر على هوامشهم الربحية. ولاحظت "اقتصاديات التصنيع" أن الأمر الذي ساهم في تصعيد أسعار البيوتاديين مطلع 2008م كان بسبب شح الوفورات الذي حدث عندما شهد الطلب ارتفاعاً كبيراً نتيجة للتوسعات الكبرى التي نفذتها العديد من الصناعات المستخدمة للمنتج وقد ضاعفت شركة كورية كبرى إنتاجيتها من (ستايرين بيوتاديين ربر SBR) بإضافة (110.000) طن متري سنوياً خلال شهر نوفمبر الماضي فيما صعدت إنتاجيتها من مادة (اكريلونتريل بيوتاديين ستايرين ABS) إلى 500ألف طن متري سنوياً. كما صعدت شركة صينية كبرى أيضاً طاقتها بإضافة 100ألف طن متري سنوياً وأخرى أضافت 330ألف طن متري سنوياً مما ساهم في اشتداد الطلب على البيوتاديين وبالتالي تطاير الأسعار إلى مستويات قياسية. ولسوء الطالع بأن وفورات البيوتاديين في آسيا لم ترتق لحجم طلب التوسعات الجديدة وذلك نتيجة لتأجيل احد أكبر المنتجين بدء إنتاج 100ألف طن في ماليزيا وخضوع منتج آخر باليابان لأعمال صيانة غير متوقعة وطاقته 476ألف طن متري سنوياً بعد تعرضه لحريق في 21ديسمبر وكان من المخطط أن يعاود المصنع إنتاجه نهاية ديسمبر إلا أن عمليات التشغيل أرجئت إلى نهاية يناير الماضي مما ساهم في الضغط التصاعدي على الأسعار. وما زاد الأمر تعقيداً القلق الذي يساور أحد أبرز المنتجين باليابان من جراء تعطل إنتاج وحدة البيوتاديين والمتوقع أن يستغرق فترة ثلاثة إلى أربعة أشهر وهو أمر أشبه بسكب البنزين على النار ليدفع الأسعار للتطاير للذروة بشكل غير مسبوق حينما بلغت (19.00) دولار للطن.