إنّ العمل الذي تبحث عنه بعد إكمال المرحلة الجامعية، قد يستحوذ على 2000ساعة من وقتك في السنة كما تشير بعض الدراسات، وهو أطول وقت تقضيه في حياتك بعد النوم. لذلك فإن اختيارك لنوعية عملك مهم جداً، ليس فقط من الناحية المالية، بل من الناحية الاجتماعية والنفسية والعقلية. وبالتالي يجب عليك قبل أن ترتبط بأي عمل أن تطرح الأسئلة المهمة التالية وتجيب عليها: - هل سأحب عملي الذي أختاره؟ (لأن حبك لعملك يؤدي إلى رضاك عن ذاتك مما يتيح لك المجال لتبدع فيه). - هل سيكون له مردود معنوي ومادي يغريني بالاستمرار فيه؟ - هل سيتيح لي هذا العمل فرصة استخدام طاقاتي وإمكاناتي؟ إنّ إيجاد العمل المناسب ذي المردود المعنوي والمادي لا يأتي بمجرد الأماني والأحلام، إنما بالتخطيط المنظم والجهد المقنن، ليتطور من حيث الممارسة والعلاقة من مجرد عمل إلى مهنة حياة تشبع الحاجة المادية والمعنوية للإنسان. ومع أن الكثير منا يخلطون بين العمل (Job) والمهنة (Career)فإن المختصين يقولون أن هناك فرقاً كبيراً بينهما، يتجاوز تعريف قواميس اللغة لهذين المصطلحين ليؤثر في حياتك طولاً وعرضاً. فهم يقولون إنّ العمل مرتبط بهدف قصير الأجل (رغم أنه قد يقود في بعض الأحيان إلى مهنة) فأنت كطالب -مثلاً- محتاج إلى أن تحصل على مصاريف الدراسة، لذلك تسعى إلى عمل جزئي للحصول على بعض المال وتغطية تكاليف الدراسة.. إلا أن عملك في هذه الحالة عادة ما يكون عبارة عن وقت بيد الشركة توظفه وفق أهدافها، بعيداً عن أهدافك أنت وطموحاتك على المدى البعيد. فالعمل في هذه الحال يعتبر من الأعمال التي تقودك إلى أي مكان لأنه غير مرتبط بخطة محددة. أما المهنة فإنك تخطط لها وتبنيها عبر مسار حياتك، وتوظف لها كل طاقاتك وقدراتك بدءاً من دراستك واختيارك لتخصصك وصولاً إلى الممارسة الفعلية للعمل، وهي التي تنسجم مع شخصيتك وأسلوب حياتك، وهي التي تجد نفسك فيها، ومن خلالها تظهر إبداعاتك وطاقاتك وقيمك في الحياة. والتخطيط للمهنة يتطلب معرفة بما تريد أن تحققه، وكيف يمكن أن تحققه من خلال نظرة شاملة إلى حياتك ودراسة متعمقة للبيئة التي تحيط بك (العائلة، التقاليد، الخلفية الثقافية.... إلخ) وكيف يؤثر كل ذلك في حياتك اليومية؛ لتبدأ بناء مستقبلك المهني على أسس صحيحة. ومن المهم في هذه النقطة أن تختار نقطة الانطلاقة (العمل الأول) وهل يضيف هذا العمل شيئاً إلى مستقبلك المهني، فإذا كنت تعمل وفق رؤية واضحة وتخطيط مقنن فإنك -مثلاً- قد تفضل عملاً بسيطاً في بدايات حياتك المهنية على عمل آخر أكبر دخلاً على المدى القصير، إلا أن الأول سوف ينمي معرفتك ويكسبك مهارات تفيدك في بناء مهنتك على المدى الطويل، بينما الثاني لا يضيف لك غير الراتب. ولا تنس أن مما يساعدك على تحديد مسارك في العمل والحياة أن تتخذ لك قدوة ومثلاً أعلى في الحياة تسعى أن تكون مثله؛ لأن ذلك يساعدك كثيراً على اختيار مهنتك، كما يساعدك على تحديد أهدافك بدقة. وحاول أن يكون قدوتك شخصاً ذا تجربة غنية في الحياة وإن استطعت أن تجعله مستشاراً لك يرشدك إلى المهنة المناسبة وتستنير برأيه في حل المشكلات التي تعترضك فتلك فرصة لا تعوض. ولعلي هنا أن أشير إلى أهمية بعض مجالات العمل التي تستطيع من خلالها أن تبني ذاتك وتحقق طموحاتك، كما أنه في نفس الوقت هنالك بعض المجالات أيضاً والتي يرتفع فيها سقف التحدي باستمرار نتيجة عولمة الأعمال واتساع العلاقات التجارية للشركات وتقلص الفارق بين التقنيات واعتماد كافة المنتجين على تقنيات التسويق في تصريف منتجاتهم. ومن أسباب ارتفاع سقف التحدي في هذا المجال أنّ رغبات العملاء أصبحت متغيرة أكثر من أي وقت مضى، وصار ولاؤهم للسلع متقلباً نتيجة كثرة الخيارات، مما يتيح لأي شركة منافسة أن تستقطبهم بسهولة لم تكن متاحة في السابق، مما يمثل تحدياً كبيراً لإدارات الشركات، ويتطلب وجود أشخاص مؤهلين أكاديمياً ومدربين عملياً ليتولوا قيادة دفة التسويق في عالم متغير قادرين على مواجهة المنافسة الشرسة في عالم الأعمال. كل هذا جعل المميزات والرواتب التي يحصل عليها العاملون في مجال المهن التسويقية مغرية مقارنة بالمهن الأخرى، إلا أنها تختلف باختلاف المؤسسات وحجمها وموقعها ونوعية عملائها والخبرات المطلوبة لها. ولا يوجد إلا القليل -حتى الآن- من الأسس المعيارية التي يمكن استخدامها في المسميات الوظيفية المتعلقة بالمهن في مجال التسويق. لكننا نذكّر بأن مصطلحات مثل (تنفيذي وموظف ومدير إداري ومسئول .... إلخ)، إنما تستخدم عادة للدلالة على مستوى المنصب الوظيفي ولا تعبر -بشكل دقيق- عن مستوى الدخل. ويصعد غالباً إلى قمة المهن في مجال التسويق أولئك الأشخاص الذين يجدون متعة بالغة في تطوير المنتجات وفتح أسواق جديدة، ويبذلون جهوداً جبارة في الحفاظ على سمعة الشركات وتعزيز قوة علاماتها التجارية. كما أن عضوية هيئات وجمعيات التسويق التي قد تكتسبها بعد تأهلك رسمياً في هذه المهنة، قد تفتح لك آفاقاً كبيرة وتتيح لك المجال لكي تتطور في هذه المهنة. ويحسن بنا أن نذكر هنا أيضاً بأن وظائف التسويق تختلف من صناعة إلى أخرى. فقد كان من السهل سابقاً لشخص في منتصف مستقبله المهني في التسويق أن ينتقل من وضع إلى آخر، ومن شركة إلى أخرى، ولكن مستويات التخصصات التي ظهرت اليوم جعلت هذا الأمر أكثر صعوبة؛ مما جعل اختيار المهنة والتخصص الدقيق من البداية أمراً في غاية الأهمية. وهناك مشكلة كبيرة في هذا الموضوع في سوق العمل السعودية رغم أنه يشكل لحظة حاسمة في مستقبل أي خريج، وتتمثل المشكلة في أن الدراسة في كثير من مؤسسات التعليم غير مرتبطة بأنشطة عملية مما ينتج عنه أن أغلب الخريجين الجدد تنقصهم الخبرة العملية اللازمة التي تساعدهم على اختيار مهنهم المستقبلية بشكل دقيق. @ مستشار مدير جامعة الأمير سلطان عضو مؤسس بالجمعية السعودية للتسويق