لو سئلت بأي العلمين تثق: بالعلم التجريبي كالطب والتشريح والجيولوجيا والفضاء، أم بالعلوم الإنسانية المطاطة كالفلسفة والأدب. العالم كله أودع ثقته في بنوك العلم التجريبي فمنحنا السيارات والطائرات والأقمار الصناعية والأجهزة الطبية وقاد الغرب إلى سطح القمر، وأعماق المحيطات، ومكنه من الاستنساخ وزرع الأعضاء، والثورات الصناعية والتقنية والتكنولوجية، العلم الذي أنتج العلمانية الحقيقية، وألجم الكنيسة ورجالها في أوروبا، وظل عصيا على تطويعهم حتى اليوم ، بدلا من تلك العلوم التي لا تزال مشلولة أمام الإشكالات الإنسانية التي تواجهها، والتي استطاعت الكنيسة تدجين وتطويع الكثير منها وتوظيفه. أمامنا رجلان، أحدهما عالم تجريبي فرنسي ابن فرنسي، ومسيحي ابن مسيحي وطبيب مشهور على مستوى العالم اسمه (موريس بوكاي)، وقد اختارته فرنسا من بين علمائها لفحص محفوظة الفرعون المصري (منبتاح). ورجل آخر جزائري أمازيغي شعوبي يقول أنه مسلم، ويعيش في فرنسا واسمه محمد أركون، متخصص في العلوم الإنسانية المطاطة.. وقد اختارته فرنسا من بين الكتاب ليؤيدها في قرار منع الحجاب، فطار فرحا ولم يتردد. الأول لا يؤمن بالكتب المقدسة كلها ولا يعترف بصحتها بعد أن قرأ كتابه المقدس، وفحصه بالعلم التجريبي فوجده مناقضا للعلم وللعقل والتجربة، فبأسلوب قياس الغائب على الشاهد حكم على القرآن بهذا الحكم مبدئيا، فبداهة - كما ظن - إذا كان الكتاب المقدس للأوربيين والغرب المتقدم قد تعرض للتغيير، فإن من باب أولى أن يكون كتاب العرب والمسلمين المتخلفين أشد تزويراً وأكثر أخطاء، ولكن سنعرف النتيجة لاحقا... أما الكاتب الجزائري (أركون)، فمتخصص في شيء واحد هو: مهاجمة القرآن والتشكيك فيه، ودراساته للعقل الإسلامي تقوم على محاولة إثبات أنسنة القرآن، أي أن الإنسان هو من ألف القرآن، ونزع صفة القداسة عنه، أي إثبات أنه ليس من كلام الله، كما أن لهذا الجزائري تخصصاً آخر غريباً وعجيباً ومحيراً هو: (تجاهل كتاب المسيحيين المقدس وعدم التعرض له بالدراسة والتحليل) مع أنه أحد ركائز العقل العربي، ومكون من مكونات الثقافة العربية لكثير من الكتاب والشعراء العرب، وهو كتاب شرق أوسطي بامتياز. عندما أتيحت لموريس بوكاي فرصة فحص تلك الجثة الفرعونية المحنطة، صعق لوجود آية في القرآن تتحدث عن نجاة الجثة، ودقة وصف غرقها.. صعق لأنها كانت مطمورة أيام نزول القرآن، وبعده وحتى القرن التاسع عشر، ولم تكتشف إلا في القرن العشرين، أو قبيل ذلك.. أي أن لا أحد يعلم عنها شيئا منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام!! طلب نسخة من القرآن وترجمة تفسيره، فقرأه من الغلاف إلى الغلاف، وعرض المعلومات الواردة فيه على معطيات العلم الحديث وآخر كشوفاته (الطبية والفلكية والجيولوجية، والنباتية وسائر التخصصات)، وليس على المنهج السسيلوجي أو الفيليلوجي أو الهذرلوجي، فخرج بوكاي بشهادة مذهلة، هي أن القرآن على عكس الكتب المقدسة الأخرى كلها.. القرآن كتاب لا يوجد فيه أي خطأ علمي، بل إنه يتحدث عن معلومات لا يمكن لمحمد أو لغير محمد صلى الله عليه وسلم أن يصل إليها في ذلك العصر، ولا يمكن لبشر التوصل إليها إلا في القرن العشرين، ثم أخرج شهادته الأخرى التي بهرت العالم بعد عشر سنوات وأكثر من الدراسة العلمية والفحص التجريبي لكل المعلومات العلمية التي جاءت في القرآن، فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عليه السلام رسول الله، وأن القرآن كلام الله الخالي من أي تحريف) إنها شهادة للصحابة الذين كتبوه، ولأبي بكر الذي جمعه، ولعثمان الذي نسخه ووزعه عليهم السلام جميعا.. شهادة من علوم (الطب والفلك والتشريح والبحار والفضاء والنبات والحيوان و..) وغيرها من العلوم الدقيقة.. ثم ألف كتابا علميا رائعا ترجم لمعظم لغات العالم.. سماه (الكتب المقدسة تحت ضوء المعارف الحديث). أما محمد أركون فسأترك الأمر لكم لتحكموا عليه من خلال حكمه على كتاب (بوكاي) فقط سأنقل لكم حكمه على هذا الكتاب العلمي التجريبي الدقيق.. قال أركون أستاذ العلوم الإنسانية المطاطة وغير المنضبطة.. قال وبكل صفاقة وقلة حياء (إن كتاب بوكاي كتاب هزيل) وأن (بوكاي) كتبه مجاملة للمسلمين.. افترى على بوكاي أكاذيب لا تليق بلص، فكيف بمفكر.. بجرة قلم حمقاء، وعبارة إنشائية غبية من إنسان تحالف مع البابا الجديد على مشروع واحد هو: السكوت عن الكتاب المقدس، والاستماتة والتشكيك في القرآن (سر قوة الإسلام واعتناق الناس له).. بل إنه يصف كتاب: (وعود الإسلام) للكاتب الفرنسي روجيه جارودي الذي كان شيوعيا فأسلم، قائلا: (كتاب هزيل أيضا).. هذا هو مشروع أركون: العداء لكل حقيقة مقنعة في الإسلام، حتى ولو كانت صادرة من غير مسلم... بجرة قلم إنشائية من أركون يتم شطب كتاب علمي تجريبي، فلا تلوموا أمتنا على تخلفها، إذا كانت هذه هي عقلية أحد من يقال أنه من مفكريها.. وأخيرا أقول لأركون: قارن ما أعطتك فرنسا بتجاهل المسلمين ل (موريس بوكاي)، فقد تشعر ببعض الخجل..