هناك في قلب العاصمة الكويت وعلى دقات المطارق بالحديد والنحاس، يستقبل سوق الصفافير رواده القلائل الذين لا يقصدونه الا نادرا، ولحاجات معينة كمنقل أو وتد خيمة أو دلة أو صندوق حديد! هذا السوق الحرفي القديم، مازال يقدم منتجاته المتواضعة حتى يومنا هذا، مع بعض المحاولات لتطوير هذه المنتجات، لتواكب العصر الحديث مع احتفاظها بأصالة الماضي وعبقه. ولسوق الصفافير تاريخ عريق، في صناعة الأدوات المنزلية التي استخدمها الأجداد وطورها الأحفاد حتى استغنوا عن هذا السوق المهدد بالغياب، بسبب قلة الاقبال عليه، وتناسي الأجيال الجديدة لهذا التراث العريق. فسوق الصفافير ليس فقط لصناعة الأدوات المنزلية بل يتفنن الصناع المهرة فيه بعمل الزخارف والنقوش في صناديق المبيت والمجوهرات، فهي حرفة قبل أن تكون مهنة يسير أصحابها على المثل القائل (اضرب الحديد وهو حامي) فيتناوبون بمطارقهم وأدواتهم البسيطة على الحديد والنحاس، يلينونه ويشكلونه كما يريدون باذلين أقصى جهدهم في كل طرقة وكأنها آخر طرقة، فيقضون بين المطارق والنار الحامية يومهم لنرى أيامهم كلها صيفا، حامية لا يشعرون فيها ببرد الشتاء في مهنتهم... ولكن هذا الدفء مهدد بالزوال ودخول عاصفة من الصقيع حيث إن هذه المهنة لم تعد تلاقي الصدى والاقبال على الشراء مع محاولات أصحابها بتطويرها. وقد اطلق على هذا السوق اسم سوق الصفافير لأنه اختص بتصفير ( القدور ) الخاصة بعمل الهريس والجريش المستخدمة قديما في الكويت اضافة الى دلال القهوه أيضا، وترجع تسميته بهذا الاسم نسبة للصفر (النحاس) حيث يشتهر هذا السوق الموجود منذ العام 1965بصناعة الأواني المنزلية. ويستورد الحديد الحديد الخاص بهذه الحرفة من السعودية واليابان والهند ولكن أفضل الأنواع هو الحديد الياباني لكن سعره مرتفع ونادرا ما يوجد في الأسواق، هذا ما اكده العم "ابو عبدالله" الذي يملك احد الدكاكين الخاصة في ذلك السوق، حيث يشرح "ابو عبدالله" لنا بعض التفاصيل عن ذلك السوق، اذا يقول: " الأسعار تبدأ من دينار لتصل الى 100دينار، فالأشياء الصغيرة كالدلة مثلا تباع بدينارين أما الصناديق فتبدأ من 5دنانير والمناقل أيضا ونحن نعمل في المعدل 10ساعات يوميا وقد تقل تبعا لقلة الطلب وخاصة في الصيف". من جانبه يقول علي غلام رضا وهو ايراني الجنسية ويعمل في السوق "منذ 30سنة على الأقل وأنا أعمل في سوق الصفافير وقد تعلمت أصول المهنة في ايران في صغري وانتقلت الى هنا لأمارسها حتى الآن". وعن المواصفات الخاصة التي تحتاجها هذه المهنة يقول علي "تحتاج الى قوة وعضلات وجلد وقوة تحمل لأن فيها تعاملا مع الحديد الذي يحتاج للقوة ليتشكل كما انه يحتاج لعزم عند طرقه بالمطرقة". وعلى بعد عدة خطوات من هذا السوق يقع احد المجمعات التجارية الحديثة، وكان من اللافت لنا ان الصورة متناقضة تماما بين السوقين، حيث بدأ سوق الصفافير شبه خالٍ من الرواد والزبائن لا تسمع فيه إلا قرع الحديد، مقابل ذلك كان المجمع التجاري يعج بالمتسوقين وما ان تدخل حتى تسمع اصوات الموسيقى الصاخبة واصوات نغمات الهواتف المتنقلة للمتسوقين.. هناك سألنا رشا ناصر عن سوق الصفافير "لم أسمع بهذا السوق مطلقا ولم أذهب اليه من قبل وأعتقد انه سوق خاص لبيع المصنوعات اليدوية". بينما دارت اجابة حسن عبدالله في الفلك ذاته بقوله "لقد سمعت عنه مرة ولا أتذكر بالضبط ما هو وعلى الأغلب هو مختص بصناعة الأواني المنزلية القديمة". وحتى لا نبلغ مرتبة التعميم فإنه ينبغي أن نقول ان الغالبية العظمى، من الجيل الحالي الكويتي غير معنيين بسوق الصفافير على اعتبار ان متطلبات الحياة وظروف المعيشة قد تغيرت بسبب زمن الآلة والعولمة، لكن ذلك لا يبرر الانسلاخ عن الماضي ولو من باب العلم بالشيء فقط، كون هذا السوق كان في يوم من الايام احد معالم الكويت، التي لا يمكن لأي زائر لهذه الدولة ان يغادرها دون زيارة سوق الصفافير.