تزايدت هواجس بعض الدول الخليجية حيال المستقبل المجهول لأوضاعها النقدية بعد أن أدى التراجع المتزايد لسعر صرف الدولار والقرارات المتلاحقة من المصرف الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة إلى زيادة نسب التضخم بصورة مخيفة وانخفاض القيمة الحقيقية للعملات الخليجية. وسيطرت هالة من الشك حول القرارات الخليجية المنتظر اتخاذها لمعالجة مأزق التضخم وتراجع سعر العملات، حيث أطلقت قطر أمس إشارات واضحة حول موقفها من الربط بالدولار، وأنها تدرس في الوقت الراهن "كل الخيارات" بما يتعلق بربط الريال بالدولار، في الوقت الذي شككت فيه بقدرة الدول الخليجية على إصدار عملة موحدة في الموعد المحدد عام 2010.وقال رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، إن القرارات المتلاحقة بخفض الفائدة في الولاياتالمتحدة وضعت دول الخليج تحت ضغط شديد بسبب اضطرارها إلى اقتفاء أثر تلك القرارات رغم أزمة التضخم التي تعانيها، مؤكداً أن الريال القطري بات دون سعر صرفه الحقيقي بقرابة 35في المئة. وكشف المسؤول القطري في تصريحات صحفية أدلى بها أمس، أن الدوحة "تدرس كل الخيارات" بما يتعلق بالربط بالدولار، مستبعداً في الوقت عينه أن تنجح الدول الخليجية في إصدار عملة موحدة في الموعد المحدد عام 2010.وأشار إلى أن الدول المنتجة للنفط تضخ بطاقتها القصوى حالياً، متوقعاً تراجع الأسعار مع أزمة الاقتصاد. ورداً على سؤال حول تأثير معدلات الفائدة والربط بالدولار على الاقتصاد القطري، قال الشيخ حمد: "يتم بيع النفط والغاز بالدولار الأمريكي، في حين أن معظم وارداتنا مسعرة باليورو والعملات الآسيوية، التي ارتفعت خلال العامين الماضيين ما بين 40إلى 50في المئة". وأضاف: "بالنسبة لنا فإن هناك ضغوطات فعلية، ونحن نعلم أن على المصرف الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ خطوات مماثلة بسبب وضع أسواق المال الأمريكية، وهذا قد يكون خياراً صائباً، لكن بالنسبة للدول الخليجية، وخاصة قطر، فنحن أمام معضلة معالجة التضخم ووضع عملاتنا، فالريال القطري مقدر دون قيمة الحقيقية ب 35في المئة". ولدى سؤاله عن الخيارات المطروحة، وما إذا كانت الدوحة تفكر في اعتماد سلة عملات، رد رئيس الوزراء القطري بأن بلاده "تدرس كل الخيارات" لكن أي قرار يجب أن يؤخذ بعد مراجعة دول مجلس التعاون التي قررت نهاية العام الماضي تأكيد التزامها الربط بالدولار. وفي إشارة بالغة الدلالة، قال الشيخ حمد إنه يتمنى ان تتفق الدول الخليجية مجتمعة على القيام بخطوة معينة، كفك الارتباط بالدولار أو إعادة تقويم العملات، غير أنه نفى أن تكون الدوحة قد اتخذت أي قرار حتى الساعة. وعن تأثير هذا الوضع على الموعد المحدد لإطلاق العملة الخليجية الموحدة عام 2010، شكك الشيخ حمد في قدرة دول المنطقة على الالتزام بهذا الموعد، قائلاً: "إنه مجرد هدف محدد، ولكنني لا أعتقد أنه سنستطيع الوصول إليه".. كما استبعد التوصل إلى تاريخ محدد خلال الفترة المقبلة بسبب تباين وجهات النظر بين الدول الخليجية، حيث تفضل بعضها الانتظار، فيما ترغب دول أخرى بخطوات مشتركة. ورداً على سؤال حول المطلب الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي، جورج بوش، خلال زيارته الشرق الأوسط، بضخ المزيد من النفط في الأسواق تساءل رئيس الوزراء القطري قائلاً:"وهل هناك المزيد من النفط كي نضخه في السوق". وقال إن معظم الدول المنتجة تعمل حالياً بكافة طاقتها، وأن الكميات الوحيدة التي يمكن إضافتها لا تتجاوز 200أو 300ألف برميل لدى إحدى الدول، ملمحاً إلى أن كلام الرئيس الأمريكي ربما استهدف طمأنة السوق إلى وجود احتياطيات كبيرة قادرة على رفع الإنتاج بصورة فورية عند الحاجة. واستبعد ارتفاع النفط خلال العام 2008إلى مستوى 100دولار، وقال إن أزمة الاقتصاد الأمريكي وتأثيراتها التي قد تصيب آسيا ستدفع الأسعار للتراجع، وقد تستقر خلال العام الجاري عند مستوى 70أو 80دولاراً. وبالنسبة للجدل الدائر حول الصناديق السيادية ودورها في الغرب، ومطالبتها بالمزيد من الشفافية، سخر رئيس الحكومة القطرية من الاتهامات التي تساق بحق تلك الصناديق، وقال إن ما كان يقال قبل ستة أشهر لم يعد يقال الحين، وذلك بسبب ظهور حاجة الأسواق العالمية لاستثمارات تلك الصناديق وترحيب الحكومات بها. وقال إن البعض يصور الصناديق السيادية وكأنها "من كوكب آخر" وجاءت للسيطرة على الأسواق، ونفى بشكل حازم وجود أي دوافع سياسية خلف حركة تلك الصناديق. ومع تزايد الحديث عن احتمال قيام جهات دولية بوضع معايير تحدد عمل تلك الصناديق، أظهر الشيخ حمد ترحيبه بذلك "إذا تم من خلال منظمات دولية وبعد استشارة الدول" محذراً بصورة غير مباشرة الدول التي ترغب في وضع معاييرها الخاصة من احتمال عدم الاستثمار فيها. يذكر أن قطر، التي تعتبر من بين أكبر الدول المصدرة للغاز والنفط في العالم، تعاني من مستوى تضخم هو الأكبر في الشرق الأوسط، إذ يقارب 14في المئة. وكان موقف رئيس الوزراء القطري قد سبقه حديث جدير بالانتباه، أدلى به إبراهيم الإبراهيم، وهو أحد كبار المستشارين الاقتصاديين للحكومة القطرية، لوكالة رويترز، قال فيه إن أي قرار سيتخذ في ملف السياسة النقدية يجب أن يكون "جوهرياً". وأشار الإبراهيم إلى أن الخطوات "المحدودة" لن تكون ذات جدوى لتحسين الوضع الاقتصادي القطري، وأن الحل الوحيد يتمثل في إجراءات "جوهرية،" مستبعداً بشكل حاسم تعويم الريال القطري بسبب المخاطر التي تحول دون ذلك نظراً لحجم قطر كدولة صغيرة. وكان سلطان ناصر السويدي، محافظ المصرف المركزي الإماراتي، قد أبدى سابقاً تشاؤمه حيال التطورات التي تعصف بالساحة الاقتصادية العالمية، ومدى قدرة مجلس التعاون الخليجي على المضي بمشروع الوحدة النقدية، خاصة مع الوضع الحالي للدولار، الذي اختير كمثبت مشترك للعملة.