نشرت إحدى الشركات المتخصصة في الدراسات الإدارية في مجال التقنية دراسة جديدة ألقت فيها الضوء على أهمية المشاركة في البنية التحتية للاتصالات باعتبارها إستراتيجيةً جديدة لتوليد إيرادات إضافية وترشيد التكاليف في شركات الاتصالات العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في ظلّ ما تواجهه الشركات التقليدية والجديدة من ضغوط متزايدة للحفاظ على هوامش ربح إيجابية. وتتناول الدراسة كذلك مدى تأثير المشاركة في البنية التحتية في تطوير قطاع الاتصالات، ودورها في دفع النمو المستقبليّ في أسواق الاتصالات في المنطقة. حيث أكد الخبير في الدراسات التقنية السيد بهجت الدرويش والذي يقترح هذه المشاركة كما أنه مدير أوّل في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا في بوز ألن هاملتون ، "إنّ المشاركة في البنية التحتية قد تعود بالنفع على شركات الهاتف الثابت والهاتف النقّال على حدّ سواء، ففيما تُعَدّ شركات الهاتف النقّال رائدةً في اعتماد مبدأ المشاركة في البنية التحتية، تعمل شركات الهاتف الثابت على إعادة تصميم عملياتها للاستفادة من فرص المشاركة في البنية التحتية، على غرار عمليات الفصل التي شاهدناها في المملكة المتّحدة ومؤخراً في السويد". ومع تصاعد الضغوط ومحاولة الأسواق الحفاظ على أنماط النموّ الحالية، يتعيّن على شركات الاتصالات دراسة الخيارات المتاحة لرفع مستويات الأرباح، واستكشاف أساليب جديدة لزيادة الإيرادات وترشيد التكاليف. ويؤكّد السيد لؤي أبو شنب، وهو مستشار في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا يؤكّد في هذا السياق "تمثّل المشاركة في البنية التحتية أحد أشكال ترشيد التكاليف ومن شأنها المساهمة في خفض المصروفات الرأسمالية بنسبة قد تصل إلى 40%". ويضيف "إذا نظرنا على سبيل المثال في حالة شركتين محدّدتين للاتصالات المتنقّلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتبيّن أنّ بإمكانهما تحقيق وفر يصل إلى 250مليون دولار أميركيّ في غضون ثلاث سنوات إذا قررّتا المشاركة في استخدام شبكتيهما". وهناك أشكال مختلفة من المشاركة في البنية التحتية للاتصالات، بدءاً بالأشكال الأساسية، كالوصول إلى دوائر شبكة النفاذ المحلية (Local Loop Unbundling) والتجوال الوطني، وانتهاءً إلى أشكال أكثر تطوّراً، كخدمات مشاركة المشغّلين في المقاسم و غيرها من المواقع (التمديدات) والمشاركة في استخدام الطيف التردّدي. وتنتشر خدمة التجوال الوطني على نطاق واسع في عدد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كالأردن والمغرب وعُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقد بدأت المنطقة تشهد إقبالاً متزايداً على نظام الوصول إلى دوائر شبكة النفاذ المحلية، بخاصة في المملكة العربية السعودية ومصر. ومن المتوقع بروز أشكال أخرى من المشاركة بالنظر إلى العائدات التي ينتظر أن تحقّقها الشركات القائمة والجديدة. في السياق نفسه تشهد شركات الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموّاً كبيراً حجماً وعدداً، إذ تمّ إصدار أكثر من عشرة تراخيص للهاتف الثابت والنقّال خلال العامين الماضيّين في مصر والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية وغيرها. فالاتجاه نحو تحرير أسواق الاتصالات، والمجالات جديدة للمشاركة في البنية التحتية للاتصالات توفّر فرصاً محتملة لجميع الجهات المعنية في الأسواق. حيث بات بإمكان الشركات القائمة، كشركة اتصالات وشركة الاتصالات السعودية، تفعيل استخدام البنية التحتية الحالية وتوليد إيرادات جديدة توظّفها في مشاريع توسّعية على المستوى الدولي. ومن جهة أخرى، يمكن للشركات الجديدة الاستفادة من فرص المشاركة في البنية التحتية وتالياً التركيز على تقديم الخدمات دونما تحمّل أعباء تركيب الشبكة وتجهيزات البنية التحتية. بعد تحرير أسواق الهاتف الثابت في بلدان كالبحرين ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية، أصبح النموّ والنجاح يعتمدان إلى حدّ كبير على المشاركة في استخدام شبكة النفاذ المحلية للشركة القائمة، نظراً إلى صعوبة إقامة شبكات نفاذ متنافسة. وبالفعل تشير تقارير السوق أنّه منذ تطبيق نظام الوصول إلى دوائر شبكة النفاذ المحلية في مطلع هذا العام، شهدت سوق تكنولوجيا النطاق العريض في المغرب نمواً بنسبة 19% في غضون 6أشهر. وتتجّه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً نحو المنافسة على الخدمات من قبل مشغلين افتراضيين، وفيما تحتّلّ الأردن طليعة البلدان في هذا المجال، بدأت كل من البحرين وعمان والمملكة العربية السعودية تعلن عن جهودها في هذا الاتجاه. ويؤكّد الدرويش "من المتوقّع إصدار تراخيص الخدمات التي تتيح انطلاق مشغّلين جدد لا يمتلكون بنية تحتية خاصة بهم خلال السنتين المقبلتين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لذلك يتعيّن على المشغّلين القائمين وغيرهم من المشغّلين الذين يمتلكون شبكات خاصة بهم الاستعداد لوضع شبكاتهم في تصرّف مشغلين الخدمات واستضافتهم". ومن المتوقّع في المدى الطويل بدء الحديث عن المشاركة في استخدام الطيف التردّديّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نظراً لمحدودية الطيف التردّدي، كما يتبدّى من نطاق الموجات المخصّصة للتراخيص الجديدة. وتنتشر اليوم في أوروبا ظاهرة بيع وشراء الطيف التردّدي على أساس تجاري، ويتوقّع أن تشهد المنطقة نشاطاً مماثلاً في المدى المتوسّط. واليوم وقد تراجعت أهمية شبكات الاتصالات كعامل تمايز في الخدمة، وفي ضوء الاتجاه المتزايد نحو عمليات الفصل بين الشبكة وتقديم الخدمات، يتوقّع أن تبلغ المشاركة في البنية التحتية للاتصالات مستويات جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لذلك يجب أن تتخطّى شركات الاتصالات القائمة والجديدة خدمات مشاركة محدودة النطاق كالتجوال الوطنيّ، لاستكشاف مجالات أكثر تقدّماً، كالمشاركة في المجاري أو بناء شبكات مشتركة. ومن هذا المنطلق، لا بدّ للشركات المتنافسة من رصد مجالات المشاركة في البنية التحتية التي من شأنها أن تمهّد السبيل إلى خفض التكاليف وتحسين الخدمة.