انباؤكم - د. سعد بن عبد القادر القويعي أفتى أحدهم قبل أيام ب»حرمة الصلاة خلف جميع أئمة الحرم المكي الشريف؛ لمولاتهم الكفار، ومنع الدعاء بهلاك أميركا، وبعدم نصرة المجاهدين. وأنه يتحمل وزر فتواه أمام رب العالمين». وللأسف فإن هذه الفتوى تندرج..... .....ضمن الفتاوى الشاذة، التي ابتلينا بها في هذا الزمان بعد أن أصبحت الفتوى حقا لكل من هب ودب، وباتت سلعة رائجة في أسواق الفضائيات، وعبر وسائل الإعلام. فخاض أصحابها في الغرائب من الأقوال والشذوذات من الفتوى المخالفة للنصوص الشرعية وقواعد الدين الكلية ومقاصده العامة والتي جماعها تحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها. وإذا كنا نحذر من الفتاوى الشاذة ومن أصحابها حين صدرتهم وسائل الإعلام وقدمتهم للناس على أنهم أصحاب علم. فإننا نحذر أيضا من الفتاوى الضالة التي تدعو إلى القيام بعمليات إرهابية وسفك الدماء المعصومة بغير وجه حق وتعميم الدعاء على غير المسلمين وغير ذلك من المسائل المهمة التي تتعلق بمصير الأمة. ولأن الرسالة التي أريد إيصالها في هذا المقال مما له صلة بالموضوع وهو تعميم الدعاء على غير المسلمين: إن بعض الخطباء لا يزالون ينتهجون مبدأ التعميم في الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى بعامة، والدعاء عليهم بالفناء والهلاك. بل إنك تعجب غاية العجب وأنت تسمع أحدهم يعمم فيقول: «اللهم أهلك اليهود ومن هاودهم، والنصارى ومن ناصرهم». وقد تعودنا أن نؤمن على هذه الأدعية دون أن نؤصل المسألة تأصيلاً شرعياً أو نعرضها على الكتاب والسنة. ولاشك أن هذا أمر غير مقبول؛ لمخالفته مبادئ السياسة الشرعية في الإسلام، ولما فيه من الاعتداء في الدعاء. وإن كان هؤلاء الخطباء قلة لا يمثلون ظاهرة في هذا التوجه بل هي حالات فردية إلا أنه يجب عدم السماح لهذه الحالات بتشويه صورة الإسلام الذي يدعو إلى تأليف قلوب أهل الكتاب من اليهود والنصارى وعدم تنفيرهم من ديننا. إن الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى جميعاً بالهلاك والفناء يخالف سنة الله عز وجل في التدافع ؛ لأن بقاء أهل الكتاب من اليهود والنصارى سنة ربانية. فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم النصارى في آخر الزمان أكثر الناس، وستجري الملاحم الكبرى في آخر الزمان مع الكفار. ولذا قال العلماء رحمهم الله: إن الدعاء للمشركين بالهداية هو الأساس، أما الدعاء عليهم فلا يكون دعاءً عاماً وإنما على من أضر بالمسلمين وحاربهم. بل كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء، قوله: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»، فدعا لهم لا عليهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة». ودعا لقبيلتي «دوس، وثقيف» بالهداية رغم كفرهم وعنادهم، ولم يدع عليهم. وانظر إلى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف حينما طردوه ورجموه بالحجارة حتى أدموا قدميه، فرفض ما عرضه عليه ملك الجبال حين قال له: «إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين «جبلين»؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً»، ولم يفضل عقاب الله لهم . إن الدعوة إلى الإسلام ونشره تقتضي العمل على كسب الآخرين والتعامل معهم بالخلق الحسن، ومن ذلك: عدم التعميم في الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تجفيف منابع كراهية الآخر المسالم واجتثاث هذا الفكر ومراعاة منجزات مراكز الدعوة الإسلامية في الخارج مطالب مهمة ولا شك، وليكن دعاؤنا على من ظلمنا فقط مقتدين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن الدعاء العام المجمل دون تحديد أو تخصيص على غير المسلمين ليس من الإسلام في شيء بل يخالف أصوله وقواعده. فقاعدة التعميم لا تخلو من الهوى والقصور والظلم. ولنا في منهج أهل العلم أسوة حسنة في تأصيل المسألة تأصيلا شرعيا. فقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذه المسألة، فقال: «أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالهلاك، بل قال: «اللهم عليك بهم، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف». وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه». ولذلك كان من دعاء السلف من الصحابة والتابعين في عهد عمر رضي الله عنه: «اللهم قاتل الكفرة الذين يَصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق». وفي سياق الموضوع ذاته سئل الشيخ عبدالرحمن البراك، فأجاب: «ليس من المشروع الدعاء على عموم الكافرين بالهلاك؛ فهذا مطلب لن يكون؛ لأن حكمة الله ومشيئته اقتضت بقاء النوع البشري حتى يأتي أمر الله تبارك الله وتعالى ويأذن الله بموت من في السموات والأرض». وإني متفائل بعد ذلك كله أن يمتثل خطباء الجوامع نصيحة وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، حين أكد على: وجوب البر بأهل الكتاب من اليهود والنصارى والدعاء لهم بالهداية للتوحيد والإسلام. وأن الدعاء عليهم بالهلاك من الاعتداء المنهي عنه. وأن تعميمه على جميع النصارى واليهود غير جائز. وأن الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه كان يدعو على المعتدين على المسلمين فقط، ويحددهم بالاسم. وأن الله - جل وعلا - لم ينه عباده عن بر غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يحاربوهم, حيث قال(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ). إن التأكيد على حق الالتفاف حول العلماء الراسخين المشهود لهم بالعلم والصلاح والصدور عن فتاواهم أمور في غاية الأهمية. كما أن مناقشة هذه الآراء ومجادلة أصحابها بالتي هي أحسن وبيان الحق لهم في هذه المسائل والرد على أخطائهم وفق قواعد المنهج الصحيح دون تجهيلهم أو تسفيه أقوالهم أدب إسلامي رفيع لا يصح تجاوزه. أرجو أن يفهم قولي على قصده؛ ليعلم ما أقصد؛ فأساس ديننا الرحمة وهداية العالمين، وتعميم الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى هو صد عن سبيل الله تعالى، وإذا كنا مأمورين بتحري أسباب الإجابة، فمن أسباب الإجابة عدم الاعتداء في الدعاء. والموفق من استعصم بما ورد، ومن اقتدى فقد اهتدى.